لاعتمادهم عليها إلا وثاقتهم في أنفسهم ، أو احتفافها بما يوجب الوثوق بها ، وإلا فمن البعيد احتفافها بما يوجب العلم بصدور جميع ما فيها. كيف؟! وقد صرح نفسه ـ كما تقدم في العدة ـ بعدم تيسر القرائن القطعية.
وقد أطال في خاتمة الوسائل في ذكر القرائن التي تشهد بصحة الأخبار الموجودة في الكتب. والظاهر أنه يريد ما يوجب الوثوق بها ، لا العلم التفصيلي بصحة جميع تلك الأخبار. وكيف كان فما ذكره شاهد بتسالم الأصحاب على العمل بأخبار الثقات غير العدول ، بل أخبار الضعاف مع احتفافها بقرائن توجب الوثوق بصدورها.
وأدنى سبر لكتب الأصحاب ـ بما فيها الكتب الأربعة ـ شاهد بذلك ، لاشتمالها على كثير من أخبار المجاهيل ، بل المضعفين والمطعون فيهم ، مع ظهور أن إثباتها في تلك الكتب ليس لمحض التدوين ، بل لركونهم إليها واستدلالهم بها. ولا يظهر منهم الغمز في أسانيد تلك الأخبار إلا نادرا في مقام التعارض ، أو لمخالفة الخبر لأصول المذهب بنظر المتصدي لذلك.
ولم يعرف الغمز بصورة ظاهرة إلا من المتأخرين ، كابن إدريس والمحقق ومن تأخر عنهما عند اشتمال الخبر على حكم مستبعد بنظرهم ، مع عدم طعنهم بنظائره في السند في موارد أخر ، بل يعملون بها متسالمين على قبولها ، حيث يشهد ذلك بأن طعنهم ناشئ عن الاستبعاد المذكور الذي قد يجرّ للتشبث بما لا يصح التشبث به ، من دون أن يقدح ذلك في الإجماع المذكور.
كيف ومن المعلوم أن تقسيم الأخبار إلى الأقسام الأربعة المتقدمة قد حدث متأخرا ، فقد قيل : إن أول من اصطلح على ذلك جمال الدين أحمد بن طاوس وتبعه تلميذه العلامة قدسسرهما ، ولم تكن طريقة القدماء على ذلك ، بل الصحيح عندهم ما كان محفوفا بما يوجب ركون النفس إليه.