وقد يوجه إلينا في هذا المقام سؤال آخر وهو :
إن كان في ما جمعه الإمام (ع) من بيت الرسول (ص) ما يحتاجه الناس في فهم القرآن فما جدواه بعد أن أخذه الإمام إلى بيته وأخفاه؟
والجواب : ان الله ـ سبحانه ـ بمقتضى وعده في قوله : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) وقوله : (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) جمعه في صدر الرسول (ص) وبيّنه له ، والرسول (ص) بمقتضى رسالته بلّغ من حضره ما احتاجوه منه وأمر وصيّه الّذي كان قد أعدّه لذلك أن يجمعه في مصحف بعد وفاته ، ففعل ذلك ، ثمّ أخرجه إلى الناس ، وعرضه عليهم ، ولما امتنعوا من قبوله أخفاه يومذاك كي لا يصيب ما جمعه ما أصاب مصاحف سائر الصحابة من الحرق كما سنبينه في ما يأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ ، وبفعله ذلك حفظ ما جمعه من بيت الرسول من التلف آنذاك ، ثمّ ورثه الأئمة من ولده ، ليفيضوا من علمه طوال القرون على من شاء أن يأخذ منهم علوم القرآن ، وقد قال الله ـ سبحانه ـ : (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ* فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) وقال ـ تعالى ـ : (أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) حتّى إذا ظهر المهدي (ع) من ولده وحكم الناس أظهره بأمر الله ـ جل اسمه ـ وأمر بتعليم الناس إياه في مسجد الكوفة : كما سنشرحه في المجلد الثالث من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
لا ينافي ما ذكرناه حول هذه النسخة من القرآن وتفسيره الخاص بالرسول (ص) وجود نسخ اخرى لدى الصحابة ومن ضمنهم الإمام عليّ (ع) يكون مع بعضها ما انتهى إليهم من بيان من الرسول حول بعض الآيات ، كما سندرسه في البحث الآتي ، إن شاء الله تعالى.
* * *
وقع ما ذكرناه بعد وفاة الرسول (ص) مباشرة ، ولمّا استقام الأمر للخلفاء بعد الرسول (ص) كانت لهم سياسة خاصة بشأن القرآن ، نذكرها في ما يأتي بحوله تعالى.