الرسول الأكرم (ص) من مصالح الإسلام التشريعية والسياسيّة ومصالح المسلمين الاجتماعية ومصالح امّهات الأيامى الفردية وكذلك مصالح ذوي قرباهنّ ، وكيف كانت تلك المصالح السبب في أن يحلّ الله له ، بعد هجرته إلى المدينة ، تعداد الزوجات وقبول الواهبات أنفسهنّ له ، وكيف انتهت تلك المصالح بعد فتح مكّة وكانت في عصمته عندئذ تسع منهن فحبسه الله عليهن ، وقال سبحانه : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ ...) ، ولم يكن ذلك قصرا له على العدد (التسع منهنّ) كي يحلّ له أن يطلّق بعضهنّ إذا شاء ويستبدل بهنّ غيرهنّ مهما بلغت إحداهنّ من الكهولة والعجز.
وما ذكرناه حقيقة ناصعة يجدها من قرأ البحث هناك وحقيقة واضحة لمن درس أحوال الإسلام التشريعية والسياسية يومذاك ، وأحوال المسلمين الاجتماعية وأحوال أمّهات المؤمنين الفردية وأحوال من وهبت له نفسها منهنّ ، وما عامل بعضهنّ النبيّ (ص) حين زوّجها بأحدهم بمهر قدره تعليمها ما حفظ من القرآن ، لأنّه كان معدما. ـ نعم المهر ونعم العاقد ونعم مجلس العقد ونعمت حفلة الزواج ـ.
من درس الآيات الثلاث مع ملاحظة ما جاء في الحديث الصحيح في شأن نزولها ودراسة تلك الأحوال والملابسات يتضح له ما قلناه بلا لبس فيه ولا غموض.
وهذا النوع من الدراسة أساس لدرس كلّ مجموعة من آيات الله البيّنات ، ولكنّ بعضهم شاء أن يغضّ النظر عن تلك الأحوال والملابسات ، ويعتمد على اجتهاده الخاصّ ، وقطّع هذه المجموعة من الآيات تقطيعا وعدّ في الناسخ الّذي تقدم على المنسوخ قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ ...).
وقال : إنّها ناسخة لقوله ـ تعالى ـ : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ) (١).
__________________
(١) راجع البرهان في علوم القرآن للزركشي ٢ / ٣٨.