وفي الأحكام الإسلاميّة وعلومها ما نزل ابتداء بوحي قرآني ، ولعلّ منها قوله تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ ...) (النّساء / ١٢٧) ، وقوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ...) (الإسراء / ٨٥).
ب ـ قد يأتي في القرآن ذكر المتأخّر زمانا قبل المتقدّم عليه لداع بلاغي.
وفصّل الزركشي القول في أسباب التقديم والتأخير في القرآن في فصلين ، ذكر في الأوّل أسبابه وفي الثاني أنواعه ، بعد أن قال :
(القول في التقديم والتأخير وهو أحد أسباب البلاغة ... وله في القلوب أحسن موقع ، وأعذب مذاق ...) (١).
وممّا ذكره مثالا للمتأخّر الّذي تقدّم ذكره ما يأتي :
قال : (وأمّا قوله : (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى * وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (النّجم / ٣٦ ، ٣٧) ، فإنّما قدّم ذكر موسى لوجهين :
أحدهما أنّه في سياق الاحتجاج عليهم بالترك ، وكانت صحف موسى منتشرة أكثر انتشارا من صحف إبراهيم. وثانيهما مراعاته رءوس الآي) (٢).
وفي مكان آخر قال :
(وقد جاء : (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) (النازعات / ٢٥) ، و (أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى* فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) (النّجم / ٢٤ ـ ٢٥) ـ بتقديم الآخرة على الاولى ـ لمناسبة رءوس الآي) (٣).
__________________
(١) البرهان في علوم القرآن ٣ / ٢٣٣ ، ولم يعقد بابا لما نحن بصدده ، وإنّما ذكر هذا النوع استطرادا ، واستشهدنا بقوله ليعلم أنّ التقديم والتأخير في ذكر الأخبار جاء لأسباب بلاغية ، ولا يصحّ ما زعموا ممّا سنذكره بعيد هذا إن شاء الله.
(٢) البرهان في علوم القرآن ٣ / ٢٣٩.
(٣) البرهان في علوم القرآن ٣ / ٢٦٤.