وفي الآية الثالثة : أنّهما دعوا أن يبعث لأهل مكّة رسولا يعلّمهم الكتاب والحكمة وهو العزيز ـ الغالب الّذي لا يقهره شيء ـ الحكيم في فعله.
وفي خبر موسى وهارون (ع) وقومهما ، أخبر ـ سبحانه ـ أنّه طلب المغفرة والرّحمة له ولأخيه ، وأخبر أنّ الّذين عملوا السيّئات وتابوا ، أنّ الله بعد ذلك غفور رحيم.
والرّحمة جاءت في الآيتين بعد ذكر التوبة والمغفرة ، لأنّ الرّحمة تكون بعد التوبة والمغفرة.
يا ترى لو عملنا بتلكم الروايات ، وحرّفنا الآيات ، وقلنا في الآية الاولى بدل (السميع العليم) : (ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت التوّاب الرّحيم) أو (إنّك أنت العزيز الحكيم) ، وقلنا في الآية الثانية : بدل (التوّاب الرّحيم) (وتب علينا إنّك أنت العزيز الحكيم) ، وقلنا في الآية الأخيرة بدل (غفور رحيم) : (ثمّ تابوا من بعدها وآمنوا إنّ ربّك من بعدها لسميع عليم) ، أو (عزيز حكيم).
كم كان الكلام مجانبا للبلاغة وهذرا من القول تعالى الله عمّا قاله هؤلاء الرواة وتقدّست أسماؤه (١).
وإنّ أقوال هؤلاء الرواة بعينها قالها عبد الله بن سعد بن أبي سرح الأموي. وكان خبره وخبره قوله كالآتي :
عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث القرشي العامري أخو عثمان من
__________________
(١) ويحكى عن الأصمعي قال : كنت أقرأ : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ غفور رحيم) وكان بجنبي اعرابي فقال : كلام من هذا؟ فقلت : كلام الله ، فقال : أعد ، فأعدت ، فقال : ليس هذا كلام الله! فانتبهت فقرأت : «وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» فقال : أصبت هذا كلام الله! فقلت : أتقرأ القرآن؟ قال لا. فقلت : فمن أين علمت؟ فقال : يا هذا! عزّ فحكم بقطع ، ولو غفر ورحم لما قطع! تحفة الأحباب للمحدث القمّي ، ص ٢٠٢.