وَبَيْنَكُمْ) مع أنّ ذلك لا يكفي من غيره؟
قلت : لأنه قادر على إقامة الحجة ، على أنه شهيد له ، وقد أقامها بقوله : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ) بخلاف غيره لا يقدر على ذلك.
٩ ـ قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [الأنعام : ٢١].
بدأ الآية هنا بالواو ، وختمها بقوله : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ.)
وبدأها في يونس بالفاء وختمها بقوله : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) لأن ما قبلها ثمّ سبب لها ، ومعطوف بالفاء ، ومذكور فيه المجرمون ، فناسب فيها ما ذكر ، بخلاف ما هنا ، فإن المتقدّم فيه معطوف بالواو ، ولم يذكر فيه المجرمون.
١٠ ـ قوله تعالى : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣]. كذبوا في قولهم ذلك ، مع معاينتهم حقائق الأمور ، ظنّا منهم أنهم يتخلّصون به.
فإن قلت : كيف الجمع بين هذا وبين قوله : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) [النساء : ٤٢]؟
قلت : في القيامة مواقف مختلفة ففي بعضها لا يكتمون ، وفي بعضها يكتمون ، بل يكذبون ويحلفون ، كما في قوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر : ٩٣] مع قوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) [الرحمن : ٣٩].
١١ ـ قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) [الأنعام : ٢٥] الآية.
قال هنا : (يَسْتَمِعُ) بالإفراد ، وفي يونس (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) بالجمع ، لأنّ ما هنا نزل في قوم قليلين ، وهم : " أبو" سفيان" و" النّضر بن الحارث" و" عتبة ، و" شيبة" ، و" أمية" ، وأبيّ بن خلف" فنزّلوا منزلة الواحد ، فأعيد الضمير على لفظ (مَنْ.) وما في" يونس" نزل في جميع الكفار ، فناسب الجمع ، فأعيد الضمير على معنى (مَنْ)
وإنما لم يجمع ثمّ في قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ) لأن الناظرين إلى المعجزات ، أقلّ من المستمعين للقرآن.