سورة الرّحمن
١ ـ قوله تعالى : (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ.) [الرحمن : ٧].
قرنه برفع السماء ، لأنه تعالى عدّد نعمه على عباده ، ومن أجلّها الميزان ، الذي هو العدل ، الذي به نظام العالم وقوامه.
وقيل : هو القرآن ، وقيل : هو العقل ، وقيل : ما يعرف به المقادير ، كالميزان المعروف ، والمكيال ، والذراع.
إن قلت : ما فائدة تكرار لفظ الميزان ثلاث مرات ، مع أن القياس بعد الأولى الإضمار؟
قلت : فائدته بيان أنّ كلا من الآيات مستقلة بنفسها ، أو أن كلا من الألفاظ الثلاثة مغاير لكل من الآخرين ، إذ الأول ميزان الدنيا ، والثاني ميزان الآخرة ، والثالث ميزان العقل.
فإن قلت : قوله : (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) أي لا تجاوزوا فيه العدل ، مغن عن الجملتين المذكورتين بعده؟!
قلت : الطغيان فيه : أخذ الزائد ، والإخسار : إعطاء الناقص ، والقسط : التوسط بين الطرفين المذمومين.
٢ ـ قوله تعالى : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [الرحمن : ١٣].
ذكر هنا إحدى وثلاثين مرّة ، وثمانية منها ذكرت عقب آيات ، فيها تعداد عجائب خلق الله ، وبدائع صنعه ، ومبدأ الخلق ومعادهم. ثم سبعة منها عقب آيات ، فيها ذكر النار وشدائدها ، بعدد أبواب جهنم ، وحسن ذكر الآلاء عقبها ، لأن من جملة الآلاء ، دفع البلاء وتأخير العقاب. وبعد هذه السبعة ثمانية ، في وصف الجنتين وأهلهما ، بعدد أبواب الجنة.
وثمانية أخرى بعدها في الجنتين ، اللتين هما دون الجنتين الأوليين ، أخذا من قوله تعالى : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ.) فمن اعتقد الثمانية الأولى ، وعمل بموجبها ، استحق هاتين الثمانيتين من الله ، ووقاه السبعة السابقة.
٣ ـ قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) [الرحمن : ١٤] أي من طين يلبس لم يطبخ ، له صلصة : أي صوت إذا نقر.