أنكم في صدورهم أهيب من كون الله تعالى فيها ، ونظيره قولك : زيد أشدّ ضربا
في الدار من عمرو ، يعنى مضروبية.
٥ ـ قوله تعالى
: (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ
قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) [الحشر : ١٣].
ختمه هنا بقوله
: (لا يَفْقَهُونَ) وبعده بقوله : (لا يَعْقِلُونَ)
لأن الأول متصل بقوله : (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ
رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ) أي لأنهم يفقهون ظاهر الشيء دون باطنه ، والفقه معرفة
الظاهر والباطن ، فناسب نفيه الفقه عنهم.
والثاني متّصل
بقوله : (تَحْسَبُهُمْ
جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) أي لو عقلوا لاجتمعوا على الحقّ ولم يتفرقوا ، فناسب
نفي العقل عنهم.
إن قلت : كيف
يستقيم التفضيل بأشدّية الرهبة ، مع أنهم لا يرهبون الله ، لأنهم لو رهبوه لتركوا
النفاق والكفر؟!
قلت : معناه أن
رهبتهم في السرّ منكم ، أشدّ من رهبتهم من الله تعالى ، التي يظهرونها لكم ،
وكانوا يظهرون للمؤمنين رهبة شديدة من الله تعالى.
٦ ـ قوله تعالى
: (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ
ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ ..) [الحشر : ١٨].
أي : ليوم
القيامة ، وفائدة تنكير النّفس ، بيان أن الأنفس الناظرة في معادها قليلة جدا ،
كأنه قيل : ولتنظر نفس واحدة في ذلك ، وأين تلك النّفس!! وفائدة تنكير"
الغد" تعظيمه ، وإبهام أمره ، كأنه قيل : لا تعرف النفس كنه عظمته وهوله ،
فالتنكير فيه للتعظيم ، وفي النّفس للتقليل.
فإن قلت : الغد
اليوم الذي يعقب ليلتك ، فكيف أطلق على يوم القيامة؟
قلت : الغد له
معنيان : ما ذكرتم ، ومطلق الزمان والمستقبل ، كما أن للأمس ، معنيين مقابلين لما
ذكرنا ، وقيل : إنما أطلق الغد على يوم القيامة تقريبا له ، لقوله تعالى : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ
الْبَصَرِ) [النحل : ٧٧] فكأنه لقربه أشبه اليوم الذي يعقب ليلتك.
٧ ـ قوله تعالى
: (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا
الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً ..)
[الحشر : ٢١]
الآية ، أي لو جعلنا في جبل ـ على قساوته ـ تمييزا كما في الإنسان ، ثم
__________________