أو هو : " فعيل" بمعنى فاعل ، فتركوا التاء فيه كما في قوله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦] أو لموافقة الفواصل.
١٠ ـ قوله تعالى : (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) [مريم : ٢٦].
مرتّب على مقدّر بينه وبين الشرط تقديره : فإما ترينّ من البشر أحدا ، فيسألك الكلام ، فقولي إني نذرت الآية ، وبهذا سقط ما قيل من أن قولها (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) كلام بعد النذر ، إذ هو بهذا التقدير من تمام النذر لا بعده.
١١ ـ قوله تعالى : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) [مريم : ٣١].
إن قلت : كيف أمر بذلك مع أنه كان طفلا ، وخطاب التكليف إنما يكون بعد البلوغ والتمييز؟
قلت : ذلك لا يدلّ على أنه أوصاه بأداء ذلك في الحال ، بل أوصاه في الحال بالأداء بعد البلوغ والتمييز ، أو أن الله صيّره عقب ولادته بالغا مميّزا ، بدليل قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) [آل عمران : ٥٩] فكما أنه تعالى خلق آدم تاما كاملا دفعة ، فكذا القول في" عيسى" عليهماالسلام ، وهو أقرب إلى ظاهر قوله : (ما دُمْتُ حَيًّا ،) فما أوصاه بذلك إلا بعد بلوغه وتمييزه.
فإن قلت : الزكاة إنما تجب على الأغنياء ، وعيسى لم يزل فقيرا ، لابسا كساء مدة مكثه في الأرض ، مع علمه تعالى بحاله ، فكيف أوصاه بها؟!
قلت : المراد بالزكاة هنا تزكية النفس وتطهيرها من المعاصي ، لا زكاة المال.
١٢ ـ قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) [مريم : ٣٦] الآية.
قال ذلك هنا ، وقال في الزخرف : (إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) بزيادة (هُوَ) لأنه تعالى ذكر قصة عيسى عليهالسلام هنا مستوفاة ، فأغنى ذلك عن التأكيد ، بخلافه ثمّ ، ولذلك قال هنا : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) وفي الزخرف : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) إذ الكفر أشدّ قبحا من الظلم ، فكان وصف من ذكر بالكفر ، في المحلّ الذي استوفى فيه قصة عيسى ، أنسب بالمحل الذي أجمل فيه قصته.
وقال هنا : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) وعكس في الكهف ، لأن معناه هنا أنه تعالى