كرر فيها وفي قوله بعد : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ) الآية. (إِنَّ رَبَّكَ) لطول الكلام بين اللفظين ، قيل : ومثله : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) [المؤمنون : ٣٥].
٢٨ ـ قوله تعالى : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) [النحل : ١١١] الآية.
إن قلت : ما معنى إضافة النفس إلى النفس ، مع أن النفس لا نفس لها؟
قلت : النفس تقال للروح ، وللجوهر القائم بذاته ، المتعلق بالجسم ، تعلق التدبير ، ولجملة الإنسان ، ولعين الشيء وذاته ، كما يقال : نفس الذهب والفضة محبوبة أي ذاتهما.
فالمراد بالنفس الأولى الإنسان ، وبالثانية ذاته ، فكأنه قال : يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته ، لا يهمه شيء آخر غيره ، كل يقول : نفسي ، نفسي.
٢٩ ـ قوله تعالى : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) [النحل : ١٢٧].
قاله هنا بحذف النون ، وفي النمل بإثباتها ، تشبيها لها بحروف العلة ، وخص ما هنا بحذفها موافقة لقوله قبل : (قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ولسبب نزول هذه الآية ، لأنها نزلت تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم حين قتل عمه" حمزة" ومثّل به ، فقال صلىاللهعليهوسلم : " لأفعلن بهم ولأصنعن" فأنزل الله تعالى : (وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) الآية ، فبالغ في الحذف ليكون ذلك مبالغة في التسلية ، وإثباتها في النمل ، جاء على القياس ، ولأن الحزن ثمّ ، دون الحزن هنا.
" تمت سورة النحل"