للحمية والأنفة المذمومة ، وذلك في قوله : (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ). وقد تستعار العزة للصعوبة. ومنه قوله تعالى : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ)(١) أي صعب عليه مشقّتكم. وقيل : من عزّ بزّ. أي من غلب سلب. وعزّ المطر الأرض : صلّبها. وقد تستعار العزة للقلة اعتبارا بما قيل : كلّ موجود ملول وكلّ مفقود مطلوب.
واستعزّ فلان : إذا غلب بمرض أو موت. قوله : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ)(٢) أي يصعب وجود مثله. وفي الحديث : «فاستعزّ برسول الله صلىاللهعليهوسلم» (٣) أي اشتدّ به المرض وأشرف على الموت. وفلان معزاز المرض ، أي شديده. وقال ابن عمر لجماعة اشتركوا في قتل صيد : «إنكم لمعزّز بكم» (٤) أي مشدد بكم. وكانوا قالوا : على كلّ منا جزاء ، فأفتاهم بجزاء واحد. قوله تعالى : (فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ)(٥) أي قوّينا. وقرىء مخففا ومشدّدا (٦) وفي التشديد مبالغة ، يقال عزّزته وعززته : قوّيته وشدّدته. وفي كتابه عليه الصلاة والسّلام لقوم : «وأنّ لهم عزازها» (٧) أي ما اشتدّ وصلب من الأرض ، وذلك يكون في أطراف الأرض.
ومن ظريف ما يحكى أنّ الزّهريّ قال : كنت أختلف إلى أبي عبيد الله بن عتبة بن مسعود فكنت أخدمه. وذكر جهده في الخدمة ، فقدّرت أني استنظفت ما عنده ، فلما خرج لم أقم له ولم أظهر من تكرمته ما كنت أظهره من قبل. قال : فنظر إليّ فقال : «إنّك في العزاز ـ أي أنت في الأطراف من العلم لم تتوسّطه بعد ـ فقم» (٨). قوله : (أَعِزَّةٍ) أي أشداء (عَلَى الْكافِرِينَ)(٩) كما صرّح بهذا الوصف عينه نفسه في موضع ، وقال : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) وقال : (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)(١٠). فما أحلى تفنّن القرآن وانتقال أساليبه! قوله :
__________________
(١) ١٢٨ / التوبة : ٩.
(٢) ٤١ / فصلت : ٤١.
(٣) النهاية : ٣ / ٢٢٨ ، في حديث مرضه.
(٤) النهاية : ٣ / ٢٢٨.
(٥) ١٤ / يس : ٣٦.
(٦) قرأ عاصم بالتخفيف وحفص بالتشديد (معاني القرآن : ٢ / ٣٧٤ وحاشيته).
(٧) النهاية : ٣ / ٢٢٩ ، من كتابه لوفد همدان.
(٨) النهاية : ٣ / ٢٢٩.
(٩) ٥٤ / المائدة : ٥.
(١٠) ٢٩ / الفتح : ٤٨.