ك ر ه :
قوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً)(١) قرىء في المتواتر بالفتح والضمّ (٢) ؛ فقيل : هما بمعنى الضّعف والضّعف ، وقيل : المفتوح ما ينال الإنسان من المشقّة من خارج مما يحمل عليه بإكراه. والكره ما ينال من ذاته وهو ما يعافه ، وذلك على نوعين : أحدهما ما يعافه من حيث الطبع ، والثاني ما يعافه من حيث الشرع والعقل. ولذلك يصحّ أن يقال : إني أكره الشيء وأريده من حيث الشرع والعقل ، أو أكرهه من حيث الشرع وأريده من حيث الطبع. وعلى الأول قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ)(٣) أي من حيث الطبع ، وقوله تعالى بعد ذلك : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ). فنبّه أنّه يجب على الإنسان أن لا يكره شيئا ولا يحبّه حتى يعرف كنهه وما يؤول إليه ، وهذا كالدواء ؛ فإنّ النفوس تكرهه وفيه صلاحها ، وعكسه الأغذية الغليظة الثقيلة ؛ فإنّ النفوس تريدها وفيها فسادها وسقامها. فالطاعات كالأدوية والمعاصي كالأغذية المؤذية.
قوله : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ)(٤) أي لا تكرهوهنّ على الزّنا. وحقيقة الإكراه حمل الإنسان على ما يكرهه.
وقوله تعالى : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ)(٥) قيل : منسوخ بآيات القتال ، وكان في ابتداء الإسلام يعرض على الرجل الإسلام فإن أجاب وإلا خلّي سبيله ولا يقاتل على ذلك. وقيل : ليست منسوخة والمراد أهل الكتاب فإنهم إذا أرادوا الجزية تركوا وأقرّوا من غير إكراه على الإسلام ، بخلاف المحاربين منهم وغيرهم من المشركين. وقيل : معناه لا حكم لمن
__________________
(١) ١٩ / النساء : ٤.
(٢) ذكرها الراغب (المفردات : ٤٢٩) ولم يذكرها الفراء ولا الأخفش. ويقول ابن منظور : وكان الأعمش وحمزة والكسائي يضمون هذه الحروف الثلاثة (الكاف في الكره في الآيات) والذي في النساء .. ثم قرؤوا كل شيء سواها بالفتح.
(٣) ٢١٦ / البقرة : ٢.
(٤) ٣٣ / النور : ٢٤.
(٥) ٢٥٦ / البقرة : ٢.