المعنى على كرّات بدليل قوله : (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) ، أي مزدجرا وهو كليل. ومعلوم أنّ ذلك لا يكون بين نظرتين فقط ، وإنّما المعنى كرّة بعد كرّة. فهذا ممّا لفظه تثنية ومعناه جمع ، وله أخوات : لبّيك وسعديك وهداديك ودواليك وحنانيك.
وأصل الكرّ العطف على الشيء والعود إليه بالذات أو بالفعل ، ومنه : كرّ في الحرب أي رجع إليها ، قال : [من الوافر]
أكرّ على الكتيبة لا أبالي |
|
أحتفي كان فيها أم سواكا |
وقال امرؤ القيس (١) : [من الطويل]
مكرّ مفر مقبل مدبر معا |
|
كجلمود صخر حطّه السّيل من عل |
قوله : (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ)(٢) أي الغلبة والظفر ، وفي الحديث : «وتكركر حبات من شعير» (٣) أي تطحن ؛ سميت كركرة لترديدها الرّحى على الطحن ، فمعنى العود موجود فيها ، وأنشد لأبي دؤاد (٤) : [من المتقارب]
إذا كركرته رياح الجنو |
|
ب ألقح منها عجافا حيالا |
وفي الحديث «أنه عليه الصلاة والسّلام وأبا بكر وعمر تضّيّفوا أبا الهيثم بن التّيهان ، فقال لامرأته : ما عندك؟ فقالت : شعير ، قال : فكركري» (٥) أي اطحني ، والمصدر : الكركرة.
والكركرة ـ أيضا ـ رحى زور البعير. والكركرة ـ أيضا ـ الجماعة المجتمعة ، وهي ـ أيضا ـ تصريف الرياح السحاب ، وذلك مكرّر من كرّ ، ومنه البيت المتقدّم لأبي دؤاد : إذا كركرته الرياح.
__________________
(١) من معلقته ، الديوان : ٣٦.
(٢) ٦ / الإسراء : ١٧.
(٣) النهاية : ٤ / ١٦٥.
(٤) وفي اللسان : لأبي ذؤيب ولم نجده في شعر الهذليين.
(٥) النهاية : ٤ / ١٦٥.