قوله : (وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ)(١) فيه إشارة لطيفة إلى تحرّي النكاح وذلك أنّ الله تعالى خلق للخلق شهوة النكاح ليتحرّوا بها طلب النّسل ، الذي يكون سببا لبقاء نوع الإنسان إلى غاية قدرها ونهاية حصرها ، فيجب للإنسان أن يتحرّى بالنكاح ما جعل الله له على حسب مقتضى العقل والديانة. ومن تحرّى النكاح حفظ النسل وحصّن النفس على الوجه المشروع فقد ابتغى ما كتب الله له ، وإلى هذا أشار من قال : أراد بما كتب الله لكم الولد.
وقد يعبّر بالكتب عن الإيجاد ، فيقابل بالمحو والإزالة ، كقوله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ)(٢) بعد قوله تعالى : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) ، فنبّه أنّ لكلّ وقت إيجادا فهو يوجد ما تقتضي الحكمة إيجاده ويزيل ما تقتضي الحكمة إزالته ، وقد دلّ قوله تعالى : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) على نحو ما دلّ عليه قوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)(٣).
قوله : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ)(٤) فالكتاب الأول : ما كتبوه بأيديهم المذكورة بقوله : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ)(٥). والثاني : التوارة. والثالث : جنس كتب الله تعالى كلّها أي ما هو من شيء من كتب الله تعالى وكلامه.
قوله : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) ، فيه تنبيه أنّهم يختلقونه ويفتعلونه ؛ فكما نسب الكتاب المختلق إلى أيديهم نسب الكلام المختلق إلى أفواههم فقال تعالى : (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ)(٦).
قوله : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ)(٧) يجوز أن يكون الكتاب والفرقان عبارة
__________________
(١) ١٨٧ / البقرة : ٢.
(٢) ٣٩ / الرعد : ١٣.
(٣) ٢٩ / الرحمن : ٥٥.
(٤) ٧٨ / آل عمران : ٣.
(٥) ٧٩ / البقرة : ٢.
(٦) ٣٠ / التوبة : ٩.
(٧) ٥٣ / البقرة : ٢.