أشاب الصغير وأفنى الكبير |
|
كرّ الغداة ومرّ العشيّ |
وقد يقال باعتبار المنزلة والرفعة كقوله تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً)(١). قوله تعالى : (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ)(٢) إنّما أطلق عليه ذلك على زعمهم وتسميتهم أي باعتبار جثته فإنه كان أعظمهم جثة. قوله تعالى : (أَكابِرَ مُجْرِمِيها)(٣) أي رؤساءها ، وذلك على سبيل الاستدراج كقوله : (أَمَرْنا مُتْرَفِيها)(٤)(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ)(٥). قوله تعالى حكاية عن فرعون (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ)(٦) أي رئيسكم في هذه الصناعة. وفي المثل : «ورثه كابرا عن كابر» (٧) أي أبا عظيم القدر عن أب عظيم مثله.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ)(٨) وقرىء «كبير» (٩) فالكبيرة متعارفة في كلّ ذنب لعظم عقوبته ، واختلف الناس في حدّها وعدّها ، ولهما موضع هو أليق بهما بيّنّاهما فيه ولله الحمد.
قوله تعالى : (كَبُرَتْ كَلِمَةً)(١٠) أي عظم ذنبها وعقوبتها لأنها قول باطل في حقّ من لا يجوز عليه ذلك بوجه. وليست كسائر الكذبات ؛ فإنّ الكذب قد يقال فيمن يجوز عليه مثل ذلك الشيء المكذوب فيه كقولك : الأمير ظلمني ، ولم يكن ظلم ، فهذا كذب قبيح وإن كان ممكنا جائزا وقوع الظلم منه ، والباري تبارك وتعالى لا يتصور في حقّه ما افتروه.
__________________
(١) ١٩ / الأنعام : ٦.
(٢) ٥٨ / الأنبياء : ٢١. جذاذا : قطعا وكسرا.
(٣) ١٢٣ / الأنعام : ٦.
(٤) ١٦ / الإسراء : ١٧.
(٥) ١٨٢ / الأعراف : ٧.
(٦) ٧١ / طه : ٢٠.
(٧) ليس مثلا ، فغير مذكور في مظان الأمثال ، ولكنه قول ذكرته المعاجم.
(٨) ٣٧ / الشورى : ٤٢.
(٩) قرأه يحيى بن وثاب ، وفسر عن ابن عباس أن كبير الإثم هو الشرك ، فهذا موافق لمن قرأ «كبير الإثم» بالتوحيد. وقرأ العوام «كبائر» ، فيجعلون كبائر كأنه شيء عام (معاني القرآن : ٣ / ٢٥).
(١٠) ٥ / الكهف : ١٨.