فيه كبدوا ؛ أي أصيب كبدهم بما لا يقدر عليه من الهموم والآلام فقلبت الدال تاء لقرب مخرجهما ، كقولهم : سبت رأسه وسبدها أي حلقها. وقيل : هو الحزن. وقيل : أشدّ الحزن ، وهو الصحيح. ويدلّ عليه أنه أخصّ من الحزن أنه صلىاللهعليهوسلم «رأى طلحة حزينا مكبوتا» (١). وقيل : الكبت : الردّ بعنف.
قوله تعالى : (أَوْ يَكْبِتَهُمْ)(٢) قال أبو عبيدة : أو يهزمهم. وقيل : يحزنهم. والأصل فيه ما قدّمته وما ذكره المفسرون أسباب لذلك.
ك ب د :
قوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ)(٣) أي مشقّة شديدة. وأصل ذلك من قولهم : كبدته أكبده أي أصبت كبده ، فأصابه الكبد والكباد أي وجع وصل إلى الكبد. ونبّه تعالى بقوله : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) ، على أنه خلقه على حالة لا ينفكّ من المشاقّ ما لم يقتحم العقبة ويستقرّ في دار القرار ، كقوله تعالى : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ)(٤).
وكبد السماء وكبد القوس : وسطهما تشبيها بكبد الإنسان لتوسّطها البدن. وكبد كلّ شيء وسطه. وفي الحديث : «وتلقي الأرض أفلاذ كبدها» (٥) أي ما خفي من كنوزها. وقيل : (فِي كَبَدٍ)(٦) أي خلق منتصبا غير منحن. وما أبعد هذا لفظا ومعنى! وقال ابن عرفة : في كبد أي في ضيق كأنه يشير لمحلّه في الرحم ، وأنشد للبيد (٧) : [من المنسرح]
يا عين هلّا بكيت أربد إذ |
|
قمنا وقام الخصوم في كبد |
قال : والإنسان في بطن أمّه في ضيق ثم يكابد ما يكابده من أمر دنياه وآخرته ثم الموت إلى أن يستقرّ في جنة أو نار.
__________________
(١) النهاية : ٤ / ١٣٨. قيل : والأصل فيه «مكبودا» أي أصاب الحزن كبده ، فقلبت الدال تاء.
(٢) ١٢٧ / آل عمران : ٣.
(٣) ٤ / البلد : ٩٠.
(٤) ١٩ / الانشقاق : ٨٤.
(٥) النهاية : ٤ / ١٣٩.
(٦) من الآية الأولى.
(٧) الديوان : ١٦٠. وفي رواية اللسان ـ مادة كبد خلاف.