تعالى بذلك إلى ما عليه الإنسان دون سائر الحيوان من العقل والفهم وانتصاب القامة وتناول المأكولات والمشروبات بيديه واستيلائه على كلّ ما في هذا العالم والتصرف فيه.
وتقويم السّلعة : جعل قيمتها معادلة لها.
والقوم سمّوا بذلك لقيامهم بمهمات الأمور ، والأصل إطلاقهم على الرجال دون النساء. ولذلك أشار تعالى بقوله : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) ، وذكر سببه فقال : (بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ)(١) فإن الهمّ لمعصّب برؤوس الرجال ، ولذلك قابل بينهما زهير بن أبي سلمى (٢) : [من الوافر]
وما أدري وسوف إخال أدري : |
|
أقوم آل حصن أم نساء؟ |
وكذلك قوله تعالى : (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ)(٣) ثم قال : (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ)(٤) إلا أنّه أكثر ما ورد في القرآن ، والمراد به الرجال والنساء جميعا.
قوله : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ)(٥) أي متمسّكة بدينها ، وهم قوم آمنوا بموسى وعيسى ومحمد صلىاللهعليهوسلم ، ومنه حديث حكيم بن حزام : «بايعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن لا أخرّ إلّا قائما» (٦) أي متمسكا بديني ، قاله المبرد. وقال أبو عبيد : معناه إلا ثابتا على الإسلام ، وقال عليه الصلاة والسّلام : «ما أفلح قوم قيّمتهم امرأة» (٧) أي سائسة أمرهم القائمة به. وفي حديث ابن عباس : «إذا استقمت بنقد فبعت بنقد فلا بأس به ، وإذا استقمت فبعت بنسيئة فلا خير فيه» (٨). قال أبو عبيد : استقمت بمعنى قوّمت وهي لغة أهل مكة ؛ يقولون : استقمت المتاع ، أي قوّمته. قال : ومعنى الحديث أن يدفع الرجل الثوب فيقوّمه بثلاثين ثمّ
__________________
(١) ٣٤ / النساء : ٤.
(٢) الديوان : ١٣٦.
(٣) ١١ / الحجرات : ٤٩.
(٤) تابع الآية السابقة.
(٥) ١١٣ / آل عمران : ٣.
(٦) النهاية : ٤ / ١٢٥.
(٧) النهاية : ٤ / ١٣٥ ، وذكره ابن الأثير بالياء ، وفيه : «قيمهم» ، ورواية اللسان مناسبة للنص.
(٨) النهاية : ٤ / ١٢٥.