قوله : (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ)(١) وقرىء «قضى» مبنيا للفاعل. و «أجلهم» نصبا (٢). والمعنى لفرغ من أجلهم ومدّتهم المضروبة لحياتهم. قال بعضهم : القضاء من الله أخصّ من القدر ، لأنه الفصل بين التقدير. والقدر هو التقدير. والقضاء هو التفصيل والقطع. وذكر بعض العلماء أنّ القدر بمنزلة المعدّ للكيل ، والقضاء بمنزلة الكيل. ولهذا قال أبو عبيدة لعمر رضي الله عنه لما أراد الفرار من الطاعون بالشام : «أتفرّ من القضاء؟ قال : أفرّ من قضاء الله إلى قدر الله» تنبيها أنّ القدر لمّا لم يكن قضاء فمرجوّ أن يدفعه الله ، فإذا قضى فلا مدفع له ، قاله الراغب (٣) قال : ويشهد لذلك قوله تعالى : (وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا)(٤).
قوله : (وَقُضِيَ الْأَمْرُ)(٥) أي فصل تنبيها أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه. وكلّ أمر مقطوع به من قولك : هو كذا أو ليس بكذا ، يقال له قضيّة صادقة وقضية كاذبة ، وإياها عنى من قال : التجربة خطر والقضاء عسر ، أي الحكم بالشيء أنه كذا أو ليس بكذا أمر صعب ، ومنه قول عليه الصلاة والسّلام في حقّ علي رضي الله عنه : «أقضاكم عليّ» (٦).
قوله : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ)(٧) أي امض ما أنت ممض من أمر الدنيا. قوله : (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) أمضى هلاك قوم نوح عليهالسلام والملائكة. «وقضي الأمر» أي فرغ لهم ممّا كانوا يوعدون.
__________________
(١) ١١ / يونس : ١٠.
(٢) هي قراءة ابن عامر ويعقوب (معاني القرآن للفراء وحاشيته : ١ / ٤٥٨).
(٣) المفردات : ٤٠٧.
(٤) ٢١ / مريم : ١٩.
(٥) ٤٤ / هود : ١١.
(٦) صحيح البخاري ، تفسير ٢.
(٧) ٧٢ / طه : ٢٠.