على عميان (١). قوله : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى)(٢) أي من كان ضالا في الدنيا فهو أضلّ منه في الآخرة فكلاهما بمعنى. وقيل : اسم فاعل لا يقصد به تفضيل ، والثاني للتفضيل لأنه من فقدان البصيرة. ويجوز بناء أفعل منه بخلاف عمى البصر.
قلت : ولأجل ذلك فرّق أبو عمرو بينهما في الإمالة ؛ فأمال الأول دون الثاني لأن الثاني أفعل للتفضيل ، فمن معه مزادة ، فوقعت ألفه كالحشو لافتقار أفعل إلى من افتقار المضاف إلى المضاف إليه ، بخلاف الأول فإنه لغير تفضيل. فألف طرف لفظا وتقديرا ، وقد أتقنّا ذلك في غير هذا من كتب الإعراب والقراءات.
قوله : (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) الآية (٣) ، قيل : هو عمى البصر وإنه يعاقب بذلك. وقال الراغب (٤) : (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى كانُوا قَوْماً عَمِينَ وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً)(٥) يحتمل لعمى البصر والبصيرة معا. قلت : إن أراد مجموع المعنيين فقريب وإن أراد انفراد كلّ واحد منهما ، فيشكل إرادة عمى البصيرة إلا بتأويل متعسف ، لأنّ المراد العقوبة ولا يرى أشدّ عذابا ممن يعاقب بالعذاب وبفقد البصر. قوله : (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ)(٦) أي اشتبهت. وقرىء بالتخفيف مع فتح الفاء. نسب العمى إليها مبالغة كما نسب الإبصار إلى آية «النهار» مبالغة ، وكذلك الناقة (٧). وأمّا قوله : (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ)(٨) فلم تثقل. والعماء بالمدّ : الجهالة ، والسّحاب أيضا. وفي الحديث : «أين كان ربّنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ فقال : في عماء
__________________
(١) وتجمع على : عمي.
(٢) ٧٢ / الإسراء : ١٧.
(٣) ١٢٤ / طه : ٢٠.
(٤) المفردات : ٣٤٨.
(٥) ٩٧ / الإسراء : ١٧.
(٦) ٢٨ / هود : ١١.
(٧) إشارة في الأولى إلى قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا آيَةَ اللَّيْلِ مُبْصِرَةً) (١٢ / الإسراء : ١٧) ، وفي الثانية إلى قوله : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً) (٥٩ / الإسراء : ١٧). وآية النهار : ١٢ / الإسراء : ١٧.
(٨) ٦٦ / القصص : ٢٨.