والعصم : مصدر عصمه أي مسكه. وقوله تعالى : (فَاسْتَعْصَمَ)(١) أي تحرّى ما يعصمه ويمنعه من ركوب الفاحشة كأنه طلب ما يعتصم به. والعصام : ما يشدّ به ويربط. ومنه : عصام القربة ، والجمع عصم وأعصمة. ومنه الحديث : «جمل مقيّد بعصم» (٢). والعصمة : ما يبقى من آثار البول على أفخاذ الإبل. وعصام : علم منقول منه. وعصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام عبارة عن حفظ الله تعالى إياهم من كلّ كبيرة وصغيرة ورذيلة ، وعمّا خصّهم به من صفاء جوهرهم ، وبما نقّاهم من درن طبائع البشر. وفي الصحيح ما يبين ذلك من شقّ صدره عليه الصلاة والسّلام وإخراج ما ذكره عليه الصلاة والسّلام منه وغسله بالماء والثلج وحشوه وملئه بالحكم. فكلّ هذا من العناية الرّبانية بهم ، وإلا فالبشر من حيث هو بشر يعجز عن اكتساب مثل هذه الأشياء ، ولا تجيء إلا بالفيض الإلهيّ خلافا لمن ضلّ وزعم أنّ النّبوات تكون بالاكتسابات وبما أولاهم من الفضائل الجسمية والنفسية ، وبالنصرة وتثبيت أقدامهم بما أنزله عليهم من السكينة وربط الجأش ، حتى إنّ موسى عليهالسلام يجيء إلى فرعون وهو يدّعي الربوبية ، وقد ربّاه في حجره والناس كلّهم مذعنون لربوبيته مقرّون بالإلهية إلا من عصم الله ، ويكذّبه ويوبخه ، ما ذاك إلا لقوله : (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى)(٣). وأعجب من ذلك قصة نبيّنا صلىاللهعليهوسلم مع سائر الخلق إنسهم وجنّهم بمفرده ليس له معين غير مرسله. وفي الحديث : «إن جبريل جاء يوم بدر على فرس أنثى وقد عصم ثنيّته الغبار» (٤). قال القتيبيّ : صوابه «عصب» أي يبس. والمعصم : من الكوع إلى المرفق. قال النابغة (٥) : [من الطويل]
فألقت قناعا دونه الشمس واتّقت |
|
بأحسن موصولين : كفّ ومعصم |
وكأنّه أجري مجرى الآلة التي تعصم. والأعصم : الغراب لبعض البياض الذي فيه في نوع منه ؛ وفي الحديث : «لا يدخل من النساء الجنة إلا مثل الغراب الأعصم» (٦) قال
__________________
(١) ٣٢ / يوسف : ١٢.
(٢) النهاية : ٣ / ٢٥٠.
(٣) ٤٦ / طه : ٢٠.
(٤) النهاية : ٣ / ٢٤٩ ، ويقول ابن الأثير : «والميم فيه بدل من الباء».
(٥) البيت ليس للنابغة وإنما هو لأبي حية النميري كما في البيان والتبيين : ٢ / ٢٢٩.
(٦) النهاية : ٣ / ٢٤٩ ، وفي الأصل تقديم وتأخير صوّبناه.