للأمارة ـ جعل التنجيز والتعذير لها ـ فهو لغو لا يترتّب عليه إلّا ما استقلّ العقل به ، إذ بعد خروجه عن موضوع حكم العقل بقبح العقاب فالعقل يستقلّ بعدم قبحه ، فأيّ فائدة في جعل ما يستفاد من العقل ويترتّب على جعل الطريقيّة والانكشاف قهرا؟
والحاصل : أنّ القول بأنّ المجعول في باب الأمارات هو التنجيز والتعذير لا يمكن الالتزام به ، فالصحيح ما ذكرنا من أنّ المجعول هو نفس الطريقيّة والانكشاف ، فالقطع علم وجدانيّ ، والأمارة علم تعبّدي ، والعلم قابل للجعل ، إذ ليس المراد منه العلم الصفتي حتى لا يكون قابلا لذلك بل العلم الطريقي ، وهو نظير الزوجيّة والملكيّة ممّا هو قابل للاعتبار الشرعي ، فكما أنّ المولى له أن يعتبر الملكيّة ـ التي حقيقتها السلطنة على المال ـ لمن ليس له سلطة على المال أصلا ، والزوجيّة لمن لا يمكنه الوصول إلى زوجته ، كذلك له أن يعتبر الطريقيّة والانكشاف لما ليس له ذلك في طبعه ، وعلى هذا تكون الأمارة حاكمة على الواقع بحسب الظاهر بحيث لو انكشف الخلاف كان الواقع منجّزا ، فحال الأمارة حال القطع ، لما عرفت من أنّه قطع جعليّ وانكشاف تعبّديّ ، وإذا كان قيام الأمارة مقام القطع لمكان أنّه قطع تعبّديّ وانكشاف جعليّ ، ويترتّب الحكم الواقعي على ما قامت الأمارة عليه لذلك ، كان ترتّب وجوب التصدّق مثلا ـ الّذي هو من أحكام نفس الانكشاف ـ على الانكشاف التعبّدي أولى.
وبالجملة ، إذا كان المجعول في باب الأمارات هو العلم والانكشاف ـ وبتعبير شيخنا الأستاذ الوسطيّة في الإثبات (١) ـ فقيام الأمارات مقام القطع
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٧٦.