ومنها : ما أفاده شيخنا الأستاذ (١) قدسسره. وملخّص ما أفاده بحذف زوائده : أنّ الأحكام الظاهريّة لا تخلو من أحد أقسام ثلاثة : فإنّها إمّا تستفاد من الأمارات التي تكون لها كاشفيّة عن الواقع ، أو من الأصول التنزيليّة المحرزة التي أخذ في موضوعها الشكّ وحكم الشارع بإلغائه ، كما في موارد الاستصحاب وقاعدتي الفراغ والتجاوز ، أو من الأصول غير المحرزة التي أخذ في موضوعها الشكّ أيضا ولم يلغه الشارع ، بل حكم حكما على المشكوك وعيّن وظيفة للشاكّ في ظرف الشكّ ، كما في موارد أصالة الطهارة والإباحة ، وحينئذ نقول : إنّ المجعول في باب الأمارات ليس إلّا الوسطيّة في الإثبات والطريقيّة.
بيانه : أنّ الأحكام الوضعيّة من الملكيّة والزوجيّة وغيرهما بأنفسها مجعولة ، والقول بأنّها منتزعة من أحكام تكليفيّة ، فاسد ، فالملكيّة مثلا لها مصداقان : مصداق حقيقي ، وهو ما يكون الشيء تحت يد المالك وسلطنته حقيقة. والآخر : مصداق تشريعي اعتباري باعتبار أو بنائي ببناء العقلاء وأمضاه الشارع ، وهو ما يكون تحت يد الغاصب وسلطنته ، فإنّ الملكيّة الحقيقيّة وإن كانت مفقودة ، فإنّ السلطنة الخارجيّة في الفرض للغاصب لا للمالك إلّا أنّ الشارع يراه مالكا ومسلّطا عليه ، أو العقلاء يعتبرون الملكيّة له ويرونه واجدا له ومسلّطا عليه ، وكما أن الملكيّة لها مصداقان : حقيقي واعتباري كذلك الكاشفيّة والمحرزيّة والوسطيّة في الإثبات والعلم وكلّ ما يرادف ذلك ، له مصداقان : حقيقي ، وهو القطع الوجداني ، واعتباري جعلي ، وهو الأمارة ، فإنّها وإن لم تكن علما وجدانيّا إلّا أنّ الشارع جعل لها الكاشفيّة ، فكانت علما في نظر الشارع ، وهذا المعنى ممكن ، أي جعل الكاشفيّة للأمارة واعتبارها لها ، كاعتبار
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٧٤.