الثاني : أنّه مع قطع النّظر عن التشريع وحكم العقل وو الأدلّة العامّة المانعة هل يمكن التمسّك بالأصل العملي ـ وهو استصحاب عدم جعل الحجّيّة ـ أم لا؟
أمّا الأمر الأوّل : فالظاهر من كلام الشيخ ـ رحمهالله ـ صحّة التمسّك بالعمومات عند الشكّ في حجّيّة أمارة ، فلا يمكن العمل بها من جهة أنّ نسبة أدلّة الحجّيّة إلى الأدلّة المانعة نسبة المخصّص إلى العامّ ، فالشكّ في حجّيّة أمارة شكّ في التخصيص ، فيرجع إلى عموم العامّ (١).
وناقش في ذلك شيخنا الأستاذ ـ قدسسره ـ بما حاصله : أنّ نسبة أدلّة حجّيّة الأمارات إلى عمومات المنع ليست نسبة المخصّص إلى العامّ ، بل نسبتها إليها نسبة الدليل الحاكم إلى المحكوم ، فإنّ أدلّة الحجّيّة تخرج الأمارة عن كونها غير علم ، فتخرج عن موضوع أدلّة المنع ، وتصير علما تعبّدا ، فيكون مرجع الشكّ في حجّيّة أمارة وعدمها إلى الشكّ في كونها داخلة في موضوع العامّ وعدمه ، أي يشملها موضوع العامّ أم لا بالشبهة المصداقيّة ، ولا يمكن التمسّك فيها بعموم العامّ (٢).
وفيه : أوّلا : ما تقدّم من أنّ الأثر إنّما هو للحجّة الواصلة ، فهي الخارجة عن موضوع أدلّة المنع بالحكومة ، وتكون علما تعبّدا ، وأمّا ما لم تصل حجّيّتها إلى المكلّف فلا أثر لها ولو كانت مجعولة واقعا ، فتكون مشمولة لأدلّة المنع قطعا ، فهذه المناقشة خلط بين الحجّة الواصلة وغيرها.
وثانيا : أنّه بناء على ذلك يشكل الأمر في التمسّك بالأصول العمليّة فيما إذا قامت أمارة مشكوكة الحجّيّة على خلاف مقتضاها أو احتملنا قيام أمارة
__________________
(١) فرائد الأصول : ٣٠ وما بعدها.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ٨٧.