وقد عرفت أنّهما من الآثار العقليّة المترتّبة بحكم العقل على الحجّة الواصلة صغرى وكبرى ، لا على مجرّد جعلها ، فعلى هذا ليس لمجرّد جعل الحجّيّة أثر ، بل الأثر إنّما هو للعلم بالحجّيّة ، فلا يقال : إنّ الشكّ في حجّيّة شيء ملازم للقطع بعدمها بمعنى عدم ترتّب آثار الحجّة عليه قطعا ، وهذا هو المراد من عدم الحجّة الفعليّة.
فتحصّل ممّا ذكر : أنّه ما لم تصل حجّيّة شيء لا يمكن الاستناد إليه في مقام العمل ، ويكون إسناد مؤدّاه إلى الشارع تشريعا محرّما ، لأنّهما بحكم العقل يترتّبان على الحجّة الواصلة ، وقد ذكرنا أنّ التنجّز ليس من آثار جعل الحجّيّة ، بل هو من آثار العلم الإجمالي بوجود الأحكام أو الاحتمال قبل الفحص ، فشيء من الآثار لا يترتّب على مشكوك الحجّيّة ، فالشكّ في حجّيّة أمارة ملازم للقطع بعدم ترتّب آثار الحجّة عليها. هذا واضح لا إشكال فيه.
إنّما الكلام في أنّه هل للشارع أن يمنع عن العمل بأمارة مع هذا الحكم العقلي؟ الظاهر أنّه لا إشكال فيه ، وليس ذلك الحكم العقلي مانعا عنه ، لأنّ الدليل الخاصّ يخرج تلك الأمارة عن موضوع حكم العقل ، لأنّ موضوع حكمه هو مشكوك الحجّيّة ، والتعبّد بحرمة العمل بها يخرجها عن كونها مشكوكة الحجّيّة ، ويصيّر حجّيّتها مقطوعة العدم ، ولذا ورد المنع عن العمل بالقياس (١) ، فلا تنافي بين منع الشارع وهذا الحكم العقلي.
بقي الكلام في أمرين :
أحدهما : هل يمكن التمسّك بالأدلّة العامّة المانعة عن العمل بغير العلم لإثبات حرمة العمل على طبق ما هو مشكوك الحجّيّة أم لا؟
__________________
(١) انظر : الكافي ١ : ٥٧ ـ ١٥ و ١٧ ، الوسائل ٢٧ : ٤١ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٠ و ١١.