إنّما تمنع عن حجّيّته بعد انعقاده ، لكون ظهورها أقوى من ظهور ذي القرينة ، فالقرينة حجّة أقوى من ذي القرينة ، ولذا تقدّم عليه ، ومن المعلوم أنّ الحجّة ما لم تكن واصلة لا يمكن أن تكون مانعة عن حجّة أخرى ، ومجرّد وجودها الواقعي لا أثر له ، فالقرينة المنفصلة ما لم تكن واصلة ومحرزة لا تمنع عن حجّيّة ذي القرينة ، فلا بدّ من الأخذ بظهور ذي القرينة مع عدم وصول القرينة ، فالأثر للقرينة الواصلة بوجودها العلمي ، والمفروض أنّها في المقام مشكوكة ، فالموضوع للأثر مقطوع العدم ، ولا معنى لجريان الأصل فيه ، وما هو مشكوك ـ وهو وجودها الواقعي ـ ليس منشأ للأثر ، فالأصل في المقام ليس أصلا عدميّا ، وهو أصالة عدم القرينة ، بل هو أصل وجوديّ ، وهو أصالة الظهور.
هذا كلّه فيما إذا أحرز الظهور الفعلي وشكّ في المراد الواقعي من جهة من الجهات السابقة ، وأمّا إذا لم يكن أصلا الظهور محرزا ، فهو أيضا يتصوّر على ثلاث صور :
الأولى : أن يكون عدم الإحراز من جهة عدم العلم بالمعنى الموضوع له ، ونعبّر عنه بعدم إحراز المقتضي للظهور ، كما إذا شككنا في معنى «الصعيد» هل هو مطلق وجه الأرض أو خصوص التراب الخالص؟ ففي هذه لا إشكال في إجمال اللفظ وعدم دلالته على ما هو المراد واقعا ، لأنّ موضوع الحجّيّة هو الظهور ، وهو مفقود ، لعدم إحراز المعنى الموضوع له المقتضي لانعقاد الظهور.
وهل يكفي في الخروج عن الإجمال الظنّ بالمعنى الموضوع له؟ الحق أنّه لا يكفي ، لعدم دليل على اعتبار هذا الظنّ.
نعم ، وقع الكلام في حجّيّة قول اللغوي في تعيين الأوضاع ، وسنتكلّم فيه إن شاء الله.