مبحث الإجزاء من أنّ المأمور به بالأمر الظاهري لا يجزئ عن الواقع إذا انكشف الخلاف وأنّه غير مأمور به واقعا ، لأنّ إجزاء غير المأمور به عن المأمور به يحتاج إلى دليل من إجماع وغيره ، وقد ادّعي الإجماع في باب العبادات بالنسبة إلى الجاهل القاصر ، وأمّا في المقام فلا إجماع فلا إجزاء أيضا ، لعدم وجود دليل آخر غير الإجماع أيضا.
نعم ، ورد الدليل بالخصوص على الصحّة والإجزاء مطلقا مع الجهل ولو كان عن تقصير في موارد بعضها متسالم عليه بين الأصحاب ، وهو الإتمام في موضع القصر ، والإجهار في موضع الإخفات ، والإخفات في موضع الإجهار ، وبعضها خلافيّ ، وهو القصر في موضع التمام للقاصد للإقامة عشرة أيّام ، فإنّه وردت رواية (١) صحيحة على ذلك ، وأفتى على طبقها بعض وعلى خلافها جمع من جهة إعراض المشهور عنها.
ومن هنا وقع إشكال علميّ في هذه الفروع وإن كان لا يترتّب عليه أثر عمليّ أصلا ، وهو : أنّه كيف يمكن الجمع بين الحكم بالصحّة التي ملاكها موافقة الواقع والحكم باستحقاق العقاب ، الّذي ملاكه عدم موافقة الواقع ، فإنّه من قبيل الجمع بين المتناقضين!؟
وقد أجيب عن هذا الإشكال بوجوه :
الأوّل : ما أفاده صاحب الكفاية قدسسره. وحاصله : أنّ من الممكن أن يكون كلّ من الجهر والإخفات والقصر والإتمام في خصوص ظرف الجهل بوجوب الآخر مشتملا على مصلحة ملزمة كاملة في حدّ نفسها ، ويكون بين المصلحتين تضادّ في الاستيفاء بحيث لا يمكن استيفاؤهما معا ، فالصحة من جهة أنّ الجهر
__________________
(١) التهذيب ٣ : ٢٢١ ـ ٥٥٢ ، الوسائل ٨ : ٥٠٦ ، الباب ١٧ من أبواب صلاة المسافر ، الحديث ٣.