القربة ، وهذا واضح بعد ملاحظة ما قرّرناه في مقرّه من أنّ المجعول في باب الأمارات والطرق هو نفس الطريقيّة والكاشفية ، لكفاية متابعة الطريق وحجّيّته إذا كانت من باب الطريقيّة ولمحض كاشفيّته عن الواقع ، فلا وجه لاعتبار موافقة الطريق أصلا إلّا بهذه الملاحظة ، فأمر الصحّة والفساد يدور مدار موافقة الواقع وعدمها ، فالتارك للفحص ـ مجتهدا كان أو مقلّدا ـ لا يجوز له الاقتصار على ما أتى به إلّا إذا أحرز موافقته للواقع ، إذ مع عدمه يحتمل العقاب والعقل مستقلّ بوجوب دفعه. وهذا مراد من أفتى بأنّ عمل الجاهل المقصّر من دون تقليد ولا اجتهاد باطل ، وليس هنا موضع الحاشية بأنّه فيما إذا كان العمل عبادة ولم يتمشّ منه قصد القربة ، وإلّا فحكمه حكم الجاهل القاصر ، إذ ليس المراد بالبطلان الحكم بالفساد ولو في صورة إحراز موافقته للواقع ، بل المراد منه عدم جواز الاقتصار على ما أتى به ما لم يحرز الموافقة.
وليعلم أنّه لا طريق للمجتهد إلى إحراز الواقع إلّا ظنّه الفعلي ، وهكذا لا طريق للمقلّد إلى إحراز الواقع إلّا فتوى من يجب عليه تقليده فعلا ، فعلى هذا يصحّ أن يقال : إنّ الميزان في صحّة عمل الجاهل المقصّر وفساده هو موافقته لما يجب عليه فعلا اتّباعه من الطريق.
فإن كان ما أتى به موافقا لنظره الفعلي أو نظر من يجب عليه تقليده فعلا ، فلا يجب القضاء إذا كان الانكشاف بعد الوقت ، ولا الإعادة إذا كان قبل الوقت ، ولكنّه مستحقّ للعقاب في الفرض الأوّل من جهة التجرّي دون الثاني.
وإن كان مخالفا لذلك ، يجب القضاء في خارج الوقت ويكون عاصيا ، والإعادة في الوقت ، بل هذا هو مقتضى القاعدة في جميع موارد انكشاف الخلاف حتى من عمل بحسب نظره الاجتهادي أو بحسب فتوى مقلّده وبعد ذلك انكشف خطؤه في الاجتهاد أو تبدّل رأي مقلّده ، وذلك لما تبيّن في