وبعبارة أخرى : مؤدّى الأمارة إمّا موضوع من الموضوعات كخمريّة المائع أو حكم من الأحكام.
فإن كان الأوّل ، فدليل حجّيّة الأمارة يثبت الحكم الواقعي الثابت للخمر الواقعي لمشكوك الخمريّة حينئذ تعبّدا ، ويجعل ما ليس موضوعا للحكم الواقعي ـ وهو مشكوك الخمريّة ـ موضوعا له ، ويوسّع في دائرة موضوع الحكم الواقعي.
وإن كان الثاني ، فيثبت الوجوب الواقعي لما أدّى إليه الأمارة من الوجوب ، فيكون الوجوب المماثل مجعولا واقعا ، وهذا هو التصويب.
وأمّا لو قلنا بأنّ المجعول في الأمارات هو المنجّزيّة والمعذّريّة ـ كما يقول صاحب الكفاية (١) قدسسره ـ فلا يلزم محذور أصلا ، فإنّ الظنّ الحاصل من الأمارة على هذا يكون كالقطع في جميع الآثار تعبّدا ، غاية الأمر أنّ القطع حجّة منجعلة والظن حجّة مجعولة بالجعل الشرعيّ ، ومن آثار القطع أنّه لو كان مأخوذا في الموضوع ، يترتّب حكمه عليه ، ويكون منجّزا أو معذّرا ، فيكون الظنّ ـ الّذي هو بمنزلة القطع تعبّدا في جميع الآثار ـ أيضا كذلك.
وكذلك إذا قلنا بأنّ المجعول في الأمارات هو نفس الطريقيّة الكاشفيّة لا آثار الطريق والكاشف ، بمعنى أنّ الشارع جعل غير العلم علما تعبّدا ، فالمجعول هو الانكشاف التعبّدي ، فيكون حال الأمارة حال القطع بلا تفاوت ، غاية الأمر أنّ القطع انكشاف حقيقيّ في نظر القاطع ، والأمارة انكشاف جعليّ تعبّديّ ، ويترتّب عليه آثار القطع قهرا. وهذا هو الّذي اختاره شيخنا الأستاذ (٢) قدسسره.
__________________
(١) كفاية الأصول : ٣١٩.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ١٢ ـ ١٣.