لو كان المراد منه ذلك ، لزم أن يكون الوجوب المستفاد من «لا يترك كلّه» المتعلّق بما عدا المتعذّر من أجزاء المركّب وأفراد الكلّي حكما مولويّا وإرشاديّا معا ، ضرورة أنّ الواجب ذا الأفراد وجوبه استغراقي متعلّق بكلّ فرد ، فما عدا المتعذّر من الأفراد كان واجبا استقلّ العقل بلزوم إطاعته وامتثاله مع قطع النّظر عن الرواية ، ف «لا يترك» لا يمكن أن يكون حكما مولويّا بل لا يكون إلّا إرشادا إلى ما استقلّ به العقل ، فبهذا الاعتبار «لا يترك» حكم إرشادي ، وباعتبار أنّ المراد من لفظ «ما» هو المركّب ذو الأجزاء أيضا لا بدّ أن يكون «لا يترك» حكما مولويّا ، بداهة أنّ الوجوب المتعلّق بالمركّب قبل تعذّر بعض الأجزاء قد سقط قطعا بالتعذّر ، ولم يتعلّق بما عدا المتعذّر ، وإنّما يصير واجبا بالرواية ، ف «لا يترك» بالنسبة إلى المركّب ذي الأجزاء لا يمكن إلّا أن يكون مولويّا ، ومن المعلوم أنّه لا يمكن الجمع بين الإرشاديّة والمولويّة في حكم واحد ، فاحتمال إرادة الجامع بين المركّب والكلّي من لفظ «ما» ساقط من أصله.
وبهذا ظهر أنّ لفظ «شيء» في الرواية السابقة أيضا لا يمكن أن يراد منه الجامع بينهما ، لعدم إمكان الجمع بين الإرشاديّة والمولويّة في أمر «فأتوا» فعلى تقدير التنزّل وتسليم أنّ «من» تبعيضيّة لا للتعدية لا يمكن التمسّك بالرواية من هذه الجهة.
يبقى احتمالان آخران : أحدهما : أن يكون «ما» كناية عن المركّب ذي الأجزاء ، والآخر : أن يكون كناية عن الكلّي ذي الأفراد ، وليس في الرواية ظهور في الأوّل حتى نتمسّك به في المقام ، فمن الممكن أن يكون المراد من «ما» هو الكلّي ذا الأفراد ، وأنّ الواجب ذا الأفراد ـ كصوم رمضان أو إزالة النجاسة عن المسجد ـ إذا لم يمكن إدراك جميع أفراده لا يجوز ترك جميع أفراده ، بل يجب صوم عشرين يوما مثلا إذا تعذّرت عشرة أيّام منه ، وهكذا إذا