ما ذكرنا من أنّ جعل حكمين على عنوانين : أحدهما عامّ ، والآخر خاصّ بمكان من الإمكان ، غايته أنّه يوجب تأكّد الحكم في الخاصّ ، فلا مانع من جعل الوجوب للصلاة بالنسبة إلى مطلق المكلّف ثم جعل وجوب مثله على العالم بالوجوب الأوّل ، كما لا مانع من جعل الحرمة لقتل المؤمن وجعل مثلها لقتل العالم المؤمن والإمام عليهالسلام.
وإن كان مضادّا له ، كجعل الوجوب للصلاة ، وجعل الحرمة لها على تقدير العلم بوجوبها ، فهو غير معقول ، للزوم اجتماع الضدّين في نظر القاطع وإن لا يلزم في الواقع ، وما يكون محالا بنظر المكلّف جعله أيضا مستحيل في حقّ المولى الملتفت إلى أنّ بعثه غير قابل للانبعاث ، كما عرفت آنفا.
هذا كلّه في القطع الطريقيّ المحض وما يكون طريقا إلى الحكم الشرعيّ ، المأخوذ في موضوع نفس هذا الحكم أو مثله أو ضدّه.
أمّا الموضوعي بالمعنى المصطلح ـ أي : ما أخذ في موضوع حكم آخر مخالف للحكم المقطوع به ، كما إذا كان القطع بوجوب الصلاة موضوعا لوجوب التصدّق ، الّذي هو حكم مخالف لوجوب الصلاة لا يماثله ولا يضادّه ـ فالكلام فيه متمحّض في مقام الثبوت ، أي ما أخذ في الواقع وفي نفس الأمر في الموضوع ، لا ما أخذ في لسان الدليل في الموضوع بما أنّه طريق محض إلى الواقع من جهة أنّ المكلّف لا طريق له إلّا القطع ، كما يستعمل كثيرا ما في استعمالات العرف والشرع ، فيؤخذ القطع في الموضوع لا بما أنّه جزء للموضوع أو تمام الموضوع ، بل بما أنّه كاشف عن الواقع وطريق محض إليه ، كما في قوله تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ