فالتضادّ على حاله (١).
وقد مرّ منّا في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي ـ مفصّلا ونعيد إشارة ـ أنّ الحكمين ليس بينهما بأنفسهما تضادّ أصلا ، وإنّما التضادّ والتنافي ناشئ من مبدأيهما أو منتهاهما ، والحكم الظاهري والواقعي لا تضادّ بينهما لا من حيث المبدأ ولا من حيث المنتهى.
أمّا من حيث المبدأ ـ وهو المصلحة أو المفسدة الموجبة له ـ فلأنّ الحكم لا ينشأ عن مصلحة في متعلّقه أصلا ، وإنّما هو ناشئ عن مصلحة في نفس الحكم.
وأمّا من حيث المنتهى ـ وهو مرحلة حكم العقل بالامتثال ـ فلأنّه فرع وصول كلا الحكمين في عرض واحد ، وهو مفقود في المقام ، إذ مع وصول الحكم الواقعي لا موضوع للحكم الظاهري أصلا ، ومع وصول الحكم الظاهري الحكم الواقعي غير واصل لا محالة ، فلا تحيّر للمكلّف في مقام الامتثال.
وإذا عرفت هذه المقدّمة ، نقول : إنّ حكم المولى بإباحة شرب كلّ من المائعين ، المعلومة خمريّة أحدهما مشروطا بعدم شرب الآخر مستلزم لحكمه بإباحة الخمر المعلوم في البين بشرط ترك شرب المائع المباح ، فالخمر المعلوم محكوم بحكمين : أحدهما واقعيّ مطلق ، وهو الحرمة ، والآخر ظاهريّ مشروط بترك أمر مباح ، وهو الإباحة ، وحيث إنّ كلّا من الحكمين وأصل إلى المكلّف وفعليّ فالتضادّ من حيث المنتهى موجود وإن لم يكن موجودا من حيث المبدأ أصلا.
وبتقريب آخر : لا بدّ في الحكم الظاهري من احتمال موافقته للواقع ،
__________________
(١) كفاية الأصول : ٣٢٢.