والنصارى الذي قالوا : المسيح ابن الله. قالوا هذا القول الباطل بالنسبة لذاته (سُبْحانَهُ) تنزيها له عن ذلك ، فليس هؤلاء أولاده (بَلْ عِبادٌ) يقرّون له بالرّبوبية ويخضعون له بالعبودية وهم (مُكْرَمُونَ) أهل كرامة بين عبادة الصالحين الذين ارتضى عملهم وشرّفهم بكونهم من صالحي عباده. فنقول لمن زعموهم أولادي : ليسوا بأولاد لي ، بل عباد سدّدتهم وأيّدتهم وأكرمتهم بصدق عبوديتهم لي. وقيل إن قوله : (عِبادٌ مُكْرَمُونَ) ، تعني الملائكة فقط ، ففي الخرائج عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، أنه اختصم رجل وامرأة إليه فعلا صوت الرجل على المرأة ، فقال له عليهالسلام : اخسأ ، وكان خارجيّا ، فإذا رأسه رأس كلب. فقال له رجل : يا أمير المؤمنين صحت بهذا الخارجي فصار رأسه رأس كلب ، فما يمنعك عن معاوية؟ فقال : ويحك ، لو أشاء أن آتي بمعاوية إلى هنا بسريره لدعوت الله حتى فعل. ولكنّ لله خزّانا لا على ذهب ولا على فضة ، ولكن على الأسرار! فظاهر كلامه عليهالسلام يدل على خزّان من الملائكة موكّلين بأسرار الله سبحانه ، وهو تعالى أعلم بما قال.
٢٨ ـ (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) ... أي أنه سبحانه يدري ما عمل عباده الذين مرّ ذكرهم في الآية السابقة وما هم عاملون قبل وقوعه أي الذي مضى من عملهم والذي هو آت (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) ولا يطلبون الشفاعة ويدخلون في التوسط للعفو إلّا عمّن ارتضى الله دينه ولا تنال شفاعتهم كافرا ولا مشركا (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ) من مهابة الله تعالى وعظمته (مُشْفِقُونَ) خائفون ووجلون مرتعدون.
٢٩ ـ (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ) ... أي : ومن يدّع الألوهيّة من المخلوقين ، وذلك أعمّ من الملائكة وغيرهم ، ويقل أنا ربّ من دون الله تبارك وتعالى (فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) فإن جهنّم وعذابها يكونان جزاء قوله هذا (كَذلِكَ) بمثل ذلك الجزاء الأليم (نَجْزِي الظَّالِمِينَ) نعاقبهم.
* * *