فلا تأمر بالسوء (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) يتجاوز عن الذنوب بعد التوبة ويرحم العباد.
وقيل إن الآيتين السابقتين (٥٢ و ٥٣) من كلام زليخا ، وأنهما من تمام كلامها ، فبعد أن برّأت يوسف ، قالت لن أخونه بشهادة زور في غيبته ، ولا أبرّئ نفسي ، وخصوصا بعد قولها : الآن حصحص الحق. وهذا الرأي قد أخذ به القمي وعقّب أنها تقول : لا أكذب عليه في غيابه كما كذبت عليه في حضوره. والله أعلم بما أراد.
* * *
(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧))
٥٤ ـ (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) ... أي أحضروه إليّ أجعله خالصا لنفسي أستقلّ به دون الآخرين. ويستفاد من قوله هذا أنه اعتبر يوسف بريئا حتى من النظر بشهوة ، وأن امرأته رمته بهذا البهتان وبرّأته منه أخيرا كما برّأته سائر النسوة اللّواتي راودنه عن نفسه صلوات الله عليه فحصل له الاطمئنان التام إليه وأعجب بهذا الفهم الحاذق وهذا الكلام الذي لا يصدر عن رجل عادي لا يزال في ريعان شبابه ، فاشتاق إلى رؤيته ومحادثته فأرسل بطلبه على الفور فحضر بعد أن علم مقصود الملك الحقيقي (فَلَمَّا كَلَّمَهُ) أي كلّم يوسف الملك أو العكس (قالَ)