إن الذكر هو الرسالة هنا ، لأن ذكر الله الطاعة والعبادة ، وأيّة عبادة أعظم من تبليغ الرسالة الربّانية وهداية الناس؟.
* * *
(اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤) قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥) قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨))
٤٣ و ٤٤ ـ (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) ... : ثم إنّه تعالى بعد ما جهّزهما واستأهلهما بالقوة العقلية والآيات السماويّة أرسلهما إلى أكفر الكفرة وأشرّ الأشرار الجاحد المارق الذي ادّعي الرّبوبيّة وأضلّ البريّة ، فرعون ملك مصر (إِنَّهُ طَغى) تكبّر وتجبّر وبلغ مبلغا عظيما من الظّلم. وقد كرّر الأمر بالذهاب في الآيتين المتتاليتين للتأكيد على مباشرة القيام بالأمر ، وقيل إن الأمر في الآية السابقة مختص بموسى ، والثاني به وبأخيه بعد إجابة طلب موسى وتوزير أخيه ، فتكرار : اذهب ، واذهبا ، قد جاء في محلّه لأن سياق الآيتين الكريمتين يقتضي ذلك ، ولذا جاء الأمر في الآية الأولى مع العطف ، وجاء في هذه الآية بصيغة التثنية. ويمكن أن يقال : إن الأمر الأول للتجهيز والتهيّؤ ، والأمر الثاني لتعيين وجه المسير وتعيين من هو إليه ، أي فرعون : ولعلّ الأحسن هو التأكيد والمبالغة في ضرورة تنفيذ الأمر ، لأن الذهاب إلى فرعون الذي يدّعي الألوهيّة أمر عظيم عندهما إذ كانا على خوف من