وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥))
٤٩ ـ (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى)؟ : هنا طوى سبحانه ذكر ما كان بين إنهاء الأمر إليهما ، وبين دخولهما على فرعون ودعوتهما له بالكلام اللينّ وبإظهار المعجزات ، وانتقل رأسا إلى جواب فرعون الذي قال لموسى عليهالسلام : من ربّكما؟ فخاطب الاثنين وخصّ موسى عليهالسلام وحده بالنداء لأنه هو الذي دعاه ، وهارون عليهالسلام إنما هو وزيره وتابعه ، فهو يعلم أن موسى ـ بالأصل ـ هو الرسول والداعي. فأجابه موسى عليهالسلام بالجواب الجامع المانع لأن كلام الرّسل رسول الكلام ، فقال :
٥٠ ـ (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى :) وهذا جواب في غاية البلاغة مع اختصاره لفظا ، لأنه أعرب عن أن الموجودات بأسرها ، وعلى اختلاف مراتبها وكمالاتها اللائقة بحالها من الأجسام الحيّة النامية والسوائل المائعة والجمادات الساكنة ، على أقسامها وأشكالها ، الثقيلة منها والخفيفة ، والمرئيّة منها أو غير المنظورة كالغازات وسائر المخفيّات ، ومن أدون المخلوقات إلى أتمّها الذي هو الإنسان سيد مخلوقات الله ، أعرب له أن جميع هذه الكائنات هي مخلوقة من قبل الله تعالى وأنها مفتقرة له بوجودها ، فدلّ جوابه على أن ربّه هو القادر بالذات ، المنعم على الإطلاق على جميع الموجودات ، وأن كل ما عداه مفتقر إليه تعالى بوجوده وبما يقيم وجوده ، وبهدايته إلى ما أوجد من أجله ، فبهت الذي كفر ولم ير إلّا صرف الكلام عن المقام إلى غير موضوع الخلق والإيجاد والإنعام ، إلى ما لا ربط له بذلك ، خوفا من انصراف الناس عنه إذا تفكّروا بهذه المعاني وعودتهم إلى طريق الحق والاعتراف بإله موسى الذي يدعو إليه. ولذلك :