فإن قلت : ما يمنع أن يحج هؤلاء ، فإن تشرّفهم بهذا البيت المقدّس وازدحامهم من حوله يزيد في عمارته واتّساعه وازدهار أحوال أهله؟. والجواب أن ازدياد سعته ليست بمصلحة له فلربّما أدّى ذلك إلى تخريبه إن كان للكفرة فيه يد ، مضافا إلى أن دخول الكفرة وأهل الشّرك إليه هو خلاف ما جعل الله له من الحرمة والعظمة والقداسة التي تمنع أن يكون للكفرة شيء من الولاية عليه والتدخل في شأنه ، ولذا بعث الله نبيّنا صلىاللهعليهوآله وأمره بتطهير البيت منهم وتنزيهه عن شركهم ، وبمنعهم من دخوله أبدا وإلى الأبد. فدعوة إبراهيم عليهالسلام بأن يجعل أفئدة «البعض» تهوي إليهم حفظت البيت من تدنيس المشركين والكفّار ، وأهل البيت أدرى بما يصلح البيت ، والحمد لله. وتهوي إليهم : يعني تحنّ إليهم وتسرع نحوهم مترامية عليهم محبة وشوقا. وعن الباقر عليهالسلام : لم يعن البيت فيقول : إليه ، فنحن والله دعوة إبراهيم. نعم أراد البيت بالملازمة لعمارته ، ولمؤانسة ذرّيته بمن يرد إليه ويقيم حوله من الوفود للحج أو للتجارة ، فإننا نرى اليوم مكة عامرة والبيت مزدهرا بفضل تلك الدعوة الميمونة المباركة المقصودة تبعا للذريّة الشريفة المباركة (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) وهو أمس واليوم يجبى إليه ثمرات كلّ شيء بإذن الله في مختلف فصول السنة ، فإنك تجد في مكة في اليوم الواحد الفاكهة الصيفيّة والشتويّة والخريفيّة والربيعيّة ، فسبحان القادر المجيب لتلك الدعوة الشريفة وسائر الدعوات الصالحة.
٣٨ ـ (رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ) ... هذا الكلام يرتبط بما سبقه لبيان أنه عليهالسلام حين طلب من ربّه ما طلب ، اعتذر بأنّنا وإن نطلب منك حوائجنا فليس ذلك من باب أنك لم تكن عالما بها جملة وتفصيلا وأنّنا نريد أن نعرّفك بها ونعلمك عنها ، فحاشاك ثم حاشاك من ذلك فإنك لست عند هذه المقولة ، ولكنّنا ندعوك إظهارا لعبوديّتك وافتقارا لرحمتك الواسعة واستعجالا لنيل ما عندك ، في حين أنك تعلم ما نسرّ وما نعلن ولا تخفى عليك خافية (وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا