تذكيره بتذكير عباده لأن في تذكيره رحمة لعباده وعطفا عليهم وفيه مصالح كثيرة أخرى تجنبّهم الكفر بالنعم والمنعم ، فمنّه غير منّ المخلوقات ، وهذه المعاني تخرجه عن القبح والذم. فمن النعم التي ذكرها قوله سبحانه : (قَدْ أَنْجَيْناكُمْ) خلّصناكم (مِنْ عَدُوِّكُمْ) فرعون وحزبه وأغرقناه مع حزبه لكفرهم وعنادهم (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) أي ضربنا معكم بواسطة رسولنا موسى أن ننزل عليه كتابا فيه تبيان كلّ ما تحتاجون إليه ، وكان الموعد عند الطرف الأيمن من جبل الطور. ويحتمل أن يكون الأيمن صفة للطور كما هو الظاهر ، والمراد به ـ بناء على هذا ـ اسم الوادي التي بجانب الجبل أي وادي الطور المبارك من الجهة اليمنى (وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) فانكم بعد أن جاوزتم البحر صرتم في صحراء ولا مؤونة فيها ولا غذاء فأنزلنا عليهم منّ السماء الشهي اللذيذ والطائر السمّانيّ الكثير اللحم الشهيّ الطعم تفضلا منّا وكرما.
٨١ ـ (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) ... : الأمر هنا للإباحة لأنه في مقام رفع الحذر ، أي : لا بأس عليكم بأكل ذلك والتلذّذ به (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) أي لا تتمادوا في ترك شكره والتعدّي عمّا حدّ الله لكم فيه كالسّرف والبطر أو كمنعه عن أهل الاستحقاق وأمثال ذلك ، ولو فعلتم شيئا من هذا أمقت عملكم (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) أي عقابي وعذابي (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) أي : هلك ووقع في الهاوية ، وهي واد في نار جهنّم أشد حرارة منها.
٨٢ ـ (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) : أي أني أتجاوز عن ذنوب التائب الذي لا يعود إليها ، وللمؤمن بي والعامل بأوامري ونواهيّ ، والمهتدي إلى ولاية أهل البيت عليهمالسلام. ويؤخذ من هذه الآية الكريمة أن شرائط الإيمان أربع : التوبة والإيمان ، والعمل الصالح ، وولاية أهل بيت النبيّ صلوات الله عليه وعليهم كما هو مضمون كثير من الأخبار.
* * *