يوسف ليبرّئه أمام الملك. وقد كانت الشهادة معقولة إذ تحكي عن واقع معقول لأن الشاهد أتمّها بقوله :
٢٧ ـ (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ) ... أي إذا كان ثوبه مشقوقا من الخلف (فَكَذَبَتْ) في ادّعائها عليه (وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في قوله. إذ من الواضح أنّ شقّه من قدّام يعني أنه قصدها فدفعته عن نفسها ، وشقّه من وراء يعني أنه فرّ منها فجذبته بثوبه فانشقّ لمّا تعلّقت به.
٢٨ ـ (فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ) ... أي فلمّا نظر الشاهد ورأى أن القميص مشقوق من جهة القفا (قالَ : إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَ) أي من عملكنّ وحيلتكنّ يقصد نوع النّسوة فإنهن معروفات بذلك وقد نقل عن بعض الأعلام أنه قال : إني أخاف من النّسوان أكثر مما أخاف من الشيطان لأن الله تعالى وصف كيد الشيطان بالضّعف فقال : إن كيد الشيطان كان ضعيفا ، وقال في كيد النساء : (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) فإن كيدهنّ يعلق بالنّفس ويؤثّر على القلب. وربما كان القائل عزيز مصر ، أو الرجل الذي كان معه ، أو الصبيّ الذي في المهد. وفي الأثر : أن يوسف لما صار نبيّا واستقرّت له السلطة ، كان جبرائيل عليهالسلام معه مرة فجاءه شابّ من خدمه يلبس ثوبا دسما وسخا وبيده آلة من آلات المطبخ ، فصار معلوما لدى جبرائيل (ع) أنه من خدمة المطبخ فقال : يا يوسف هل تعرف هذا الشاب؟ قال : لا. قال جبرائيل : هذا هو الصبيّ الذي شهد لك في مهده ونزّهك من الفحشاء. قال : فله عليّ حقّ عظيم. فأمر بأن ينزع منه ثوبه وأن يخلع عليه ثوب فاخر. وبعدئذ استوزره يوسف وكان له نعم العشير والوزير.
ويحتمل أن يكون القائل عزيز مصر أي الزّوج باعتبار هذه الصراحة المعلنة مع زليخا التي هي من هي في نساء زمانها ، وباعتبار إصدار الأمر الثاني لها وليوسف فيما قاله الله سبحانه وتعالى في الآية التالية إذ قال :