من السماوات لمّا بعث محمدا صلىاللهعليهوآله منعوا من الكل وحرست السماوات بالنجوم. فالشّهاب الذي يرسل على من يحاول استراق السمع من الشياطين هو من معاجز نبيّنا (ص) لأنه لم ير قبل زمانه. فالمارد من الشياطين يصعد ليسترق خبرا فيرمى بشهاب يحرقه ولا يقتله ، ومن المردة من يخبّله. والشهاب بحقيقته كتلة نارية ساطعة اللهب تنطلق على النجم الذي استقرّ عليه الشيطان المستمع وتلحق به بسرعة البرق الخاطف المحرق .. فقد حفظت السماء من كل شيطان رجيم : لعين مبعد من رحمة الله وقد فصّل ذلك سبحانه بقوله :
١٨ ـ (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) : أي أن أبواب السماء جميعها مراقبة محروسة ، إلّا أن من حاول فاسترق سمع شيء لحق به شهاب : شعلة نارية ظاهرة للرائين. وهو النّيزك الذي سمّاه سبحانه : النجم الثاقب.
ثم إنه تعالى بعد ذكر السماء وما فيها من الآيات الدالة على وجوده وقدرته ووحدانيّته ، أخذ بالحديث عن الأرض وبيان النّعم التي فيها ليتدبّر العقلاء وليتذكّر أولو الألباب ، فقال عزوجل :
١٩ ـ (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) ... مددناها أي دحوناها يوم دحو الأرض ، وبسطناها صالحة للسكن وألقينا : وضعنا ، واللفظة تدل على ثقل ما ألقي فيها من (رَواسِيَ) وهي الرواسخ من الجبال الثابتة التي لا تتزلزل ولا تبرح مكانها لأنها أوتاد الأرض كما قال تعالى ، ثم قال : (وَأَنْبَتْنا فِيها) أنشأنا نباتا (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) مقدّر بميزان الحكمة متناسب في نوعيته وجميع خواصّه ، ممّا يدل على قدرتنا وعظمة ما خلقناه فيها من النبات ، فقد فعلنا ذلك في الأرض ، و :
٢٠ ـ (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) : أي صيّرنا وأوجدنا في الأرض ما يعيشون به من المطاعم والملابس والمساكن ، وخلقنا لكم ذلك وغيره ممّا جعلنا رزقه علينا ونفعه لكم ولستم بمكلّفين برزقه