فأبصروا ثناياه التي كانت كاللؤلؤ المنظوم فعرفوه من تبسّمه ، بل قيل إنه وضع تاج الملك عن رأسه فعرفوه لعلامة مميّزة في رأسه .. وعندئذ :
٩٠ ـ (قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ؟) ... وهذا استفهام تقريري. وقرئ بغير استفهام على الإيجاب مع التأكيد الذي يدل على أنهم عرفوه بلا شبهة ـ إنّك لأنت يوسف ـ وبناء على استفهامهم أو تأكيدهم قال (ع) مقرّرا قولهم ومثبتا لما اعتقدوه من معرفتهم إياه : (أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي) كما ترون (قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) أنعم وتفضّل وزادنا فضلا بالاجتماع مع السلامة والكرامة (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ) الله ويتجنّب سخطه (وَيَصْبِرْ) على البلايا وعن ترك المعاصي (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) وفي ختام هذه الآية الكريمة تنبيه لنكتة دقيقة حيث وضع الاسم الظاهر مقام الضمير ليدل أن المحسن من جمع بين التقوى والصبر .. فلما عرف الإخوة جلية الأمر أقبلوا عليه وتوجهوا نحو العرش الذي يتربع عليه بتمام الذل والخجل مع شيء من الرهبة والخوف ، ثم قالوا ما حكاه الله تعالى عن موقفهم الذليل :
٩١ ـ (قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) ... أي أقسموا بالله أنه آثره ، يعني فضّله عليهم واختاره منهم بحسن الخلق والخلق وحسن السيرة والسريرة والمداراة والعدل معهم رغم أنهم عاملوه بقساوة فبادلهم باللطف وكريم الضيافة وإيفاء الكيل ، فاعترفوا بذنبهم كما اعترفوا له بالتفضل عليهم قائلين : (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) أي آثمين بما صنعنا بك وبما فعلناه معك من القبائح بجهلنا وبسوء سريرتنا. وإن ، مخفّفة عن إنّ الثقيلة. وقسمهم ـ تالله ـ ليعرف يوسف (ع) أن قولهم هذا يكشف عن صدقهم ويطابق واقع عقيدتهم ، لا أنه مكيدة ومداهنة كما سبق لهم أن فعلوا مع أبيه حين أخذوه معهم ليرتع ويلعب ثم فرّقوا بينه وبين أبيه ، فقد تمثّل لهم كلّ ما صدر منهم في تلك اللحظات وتوجّهوا نحو عرشه ليقبّلوا ركبته فقد ألقت هيبة يوسف وعظمة الملك خوفا في قلوبهم فاعترفوا بالذنب وأقرّوا بتفضيله من الله للفور وبلا تردد ولا مشاورة فيما بينهم ، بالرغم من أنهم أبناء أنبياء