من القتل وغمّه وآمنّاك منه (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) أي اختبرناك اختبارات متعددة وأوقعناك في الفتن حتى خلصت للاصطفاء بالرسالة. وذلك بأن موسى عليهالسلام ولد في عام كان يقتل فيه الولدان ، وألقته أمّه في البحر ، وهمّ فرعون بقتله ، وأمر بالمهاجرة من وطنه إلى مدين ، ونال في سفره ما ناله من صعوبة الهجرة وترك الأهل والوطن ومفارقة الألّان والسير على الأقدام من مصر إلى شرقي فلسطين حذرا من فرعون وبطشه ، مضافا إلى قلة الزاد والعيش على ما تنبت الأرض ، وإلى استئجاره من قبل شعيب عليهالسلام عشر سنين يرعى فيها الأغنام مهرا لبنته التي تزوّجها ، ومضافا أيضا إلى قتله القبطيّ وهربه خائفا يترقّب ، فهذه الفتن التي انتهت بعشر سنوات في الخدمة ورعي المواشي ، انتهت أيضا برجوعه إلى مصر لرؤية أمّه وأحبّته ، فكان من ابتلائه في الطريق أن حلّ الليل ، ووقع البرد ، وتفرّقت مواشيه ، وأخذ امرأته الطّلق للولادة في ذلك الليل البهيم ، إلى غير ذلك من الحوادث التي مرّ بها في حياته ومرّت به فتحمّلها كلها بصبر وأناة لأنها تنوء بها الجبال وتعجز عنها الرجال ، فكانت فتنا متتالية كشفت عن سريرته الصافية ونفسه المطمئنة المؤمنة وقلبه الطاهر ، فذهب ليقتبس النار لأهله وامرأته في حال الوضع فنودي : أن يا موسى إنّي أنا الله ثم استمرّ سبحانه يعدّد لموسى فقال : (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) أي بقيت عشر سنين في بلدة مدين وبين سكّانها (ثُمَّ جِئْتَ) حضرت الآن (عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) أي في زمان مقدّر أن تتلقى فيه الوحي بعد أن بلغت الأربعين من عمرك وهو سنّ نزول الوحي على أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم.
٤١ و ٤٢ ـ (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ، اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ) : أي اخترتك لرسالتي وإقامة حجّتي ولتكون المرشد إليّ والداعي إلى ما يصلح أمور عبادي ، فامض للأمر أنت وأخوك هارون مزوّدين (بِآياتِي) معجزاتي التّسع التي منها العصا واليد البيضاء ، وقد ذكرناها في مكان آخر (وَلا تَنِيا) أي لا تقصّرا ولا تفترا (فِي ذِكْرِي) تبليغ ذكري والدعوة إليّ ، وقيل