العالمي من الناحية الدنيوية والأخروية ، وكالأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وما سوى ذلك من الأفعال الجميلة والأعمال الحميدة والخصال الطيّبة ، فإن هذه هي كلها من آثار شرح صدور رسل الله الكرام كلوازم لا يسعها التعداد لأنها تحوي كل معنى طيّب يوفّره الله في رسله دون غيرهم. وشرح الصدر على هذه الكيفية مخالف لما قيل في شرح : ألم نشرح لك صدرك حيث قالوا بشقّ صدره الكريم وإجراء عملية فيه تغاير المألوف والمعروف.
وعلى كل حال فإن موسى عليهالسلام قال : ربّ اشرح لي صدري (وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) سهّل لي أمر تبليغ رسالتك وسفارتك إلى الناس وأعني على الطغاة والمردة واحفظني من شرّ كيدهم ومكرهم لأقوم بهذا الأمر العظيم (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي) أي أطلق لساني من عقاله واجعله فصيحا بليغا في الأداء ، ذلك أن لسانه الشريف كانت قد أصابته جمرة في طفولته فأحرقت طرفه فصارت فيه رتّة ، فدعا الله سبحانه أن يحلّ هذه العقدة منه ليقدر على الإفصاح عند نطق جميع الحروف عند التبليغ فإن التبليغ من الإبلاغ الذي هو والبلاغة من حسن الكلام وحسن تأثيره في النفوس ليكون على أتمّ وجه. وأما وجه وضع الجمرة في فيه فإنه عليهالسلام عطس وهو طفل حيث كان يقعده فرعون في حجره بعد أن تبنّاه فقال حين عطش : الحمد لله رب العالمين ، فأنكر فرعون ذلك عليه ولطمه على وجهه فوثب موسى على لحية فرعون الطويلة المرصّعة بالجواهر ونتفها فآلمه ألما شديدا فهمّ فرعون بقتله فقال له امرأته هذا طفل حدث لا يدري ما يقول ولا تصدر أفعاله عن وعي وشعور ، فقال فرعون : بلى إنّه يدري ويعي ، فقالت له : ضع بين يديه تمرة وجمرة فإن ميّز فهو الذي تقول. ففعل فرعون ذلك وصفّ جمرة وتمرة أمام موسى وقال له : كل. فمدّ موسى يده نحو التمرة فصرفها جبرائيل عليهالسلام إلى الجمرة فأخذها ووضعها في فمه فاحترق لسانه وبكى ، فعفا عنه وحصلت العقدة فيه منذ ذلك الوقت.