تفهيم الدلالة المؤدية إلى العلم (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) قالا له ذلك لأنه كان جميل المعاملة مع المساجين حسن المعاشرة لهم فإنه إذا ضاق بأحدهم المكان وسّع عليه ، وإذا احتاج الى شيء يقرضه ، وإذا مرض قام على العناية به ، وهو يعين المظلوم وينصر الضعيف ويواسي جميع البؤساء والمتعبين. فيوسف عليهالسلام ، وإن كان سجينا ، كان مبسوط اليد موسّعا وكان حبسه سياسيّا وقد أحبّه كلّ من رآه. فعن الإمام الرضا عليهالسلام : قال السجّان ليوسف : إنّي لأحبّك. فقال يوسف : ما أصابني ما أصابني إلّا من الحب!. إن كانت خالتي أحبّتني سرّقتني ، وإن كان أبي أحبّني حسدني إخوتي ، وإن كانت امرأة العزيز أحبّتني حبستني. وفي رواية : ذكر عمّته مكان خالته. وبيان ذلك أن خالة يوسف ـ أو عمّته أحبّته حبّا شديدا بحيث كان أملها الوحيد أن يبقى يوسف عندها دائما ، ثم احتالت بحيلة لإبقائه معها في قصة حزام كانت تحتفظ به من إبراهيم عليهالسلام ـ وقيل من إسحاق (ع) ـ يتوارثه الأنبياء والأكابر ، فشدّته على وسط يوسف عند استغراقه في النوم ، ثم اتّهمته بسرقته بعد أن استيقظ. وكان من شريعة يعقوب عليهالسلام أن المسروق له يأخذ السارق ويستخدمه مدة سنة كاملة. وبهذه الحيلة أخذت يوسف من عند أبيه يعقوب عليهماالسلام وكانت تؤنسه وتستأنس به أثناء المدة المحدّدة للسارق.
هذا ، وقيل إنّ زليخا بعثت إلى السجّان أن يحبسه في مكان شديد الظّلمة وأن يضيّق عليه في المأكل والمشرب ، فلم يرتّب السجّان أثرا على قولها.
ولمّا كان في تعبير الرؤيا أن واحدا من الفتيين سيهلك لا محالة ، فإن يوسف (ع) لم يسرع في تفسير ما رأياه في المنام ، بل شرع في إرشادهما إلى توحيد الله عزوجل ووجود صانع لهذا الكون العظيم ، لينزع من عقيدتهما فكرة الشريك له سبحانه من الأصنام التي كانوا يعبدونها ، ليموت من يموت منهما على دين الحق ويمضي على الطريق المستقيم. ومهّد لحديثه هذا معهما بما يشهد على صدق دعوته ، وبما هو معجزة مدهشة تدلّ على صحة جميع ما