أصدق الصادقين؟. وقيل : الذكر هو المعرفة ، واعلم أن الإكسير إذا وقعت ذرة منه على الجسم النحاسي انقلب ذهبا باقيا على كرّ الدهور والأزمان لا يفسده شيء حتى ولو وقع تحت التراب فإنه لا يتطرّق إليه الفساد ولا يؤثر فيه التّراب. أما إكسير معرفة الله وجلاله وعظمته فإنها إذا وقعت في القلب تنقلب جوهرا صافيا باقيا نورانيّا لا يقبل التغيّر ولا الفناء ولا التبدّل ، ولذلك قال تعالى : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) تقرّ وتهدأ.
وبعبارة أخرى : الموجودات على ثلاثة أقسام : مؤثّر لا يتأثر وهو البارئ تعالى. ومتأثّر لا يؤثّر وهو الجسم الذي ليس له إلّا القبول والانفعال. ثم الموجود الذي يؤثّر في شيء ويتأثّر عن شيء ، وهو الموجود الرّوحاني ، ذلك أن الموجودات الروحانيّة إذا توجّهت إلى جهة اللاهوتيّة وإلى الحضرة الإلهية صارت قابلة للآثار الفائضة عن مشيئة الله وقدرته وتكوينه وإيجاده فأوجدت وتكوّنت وتأثّرت ، وإذا توجّهت إلى عالم الناسوت والأجسام اشتاقت إلى التصرّف فيها ، ذلك أن عالم الأرواح مدبّر لعالم الأجسام. وبالنتيجة فإن القلب كلّما توجّه إلى مطالعة عالم الأجسام ، كلما حصل فيه الاضطراب والقلق والميل الشديد إلى الاستيلاء عليها والتصرّف فيها. أما إذا توجّه إلى مطالعة حضرة الإله المعبود ، فإنه تحصل فيه أنوار الصمديّة الإلهية فيسكن ويطمئنّ بذكره ومعرفته ، فبذكره عزوجل والتوجّه إليه تطمئن قلوب العارفين والمؤمنين. والذكر والتوجّه إنما ينشئان من المعرفة التي لولاها لما كانا أبدا.
٢٩ ـ (الَّذِينَ آمَنُوا ... طُوبى لَهُمْ) ... قيل : طوبى : مصدر من الطيب ، وقيل هو مؤنّث : أطيب. وعن الصادق عليهالسلام : طوبى شجرة في الجنّة أصلها في دار النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وليس من مؤمن إلّا وفي داره غصن منها لا يخطر على قلبه شهوة شيء إلّا أتاه به ذلك الغصن. ولو أن راكبا مجدّا سار في ظلّها مائة عام ما خرج منه. ولو طار من أسفلها غراب ما بلغ أعلاها حتى يسقط هرما!. ألا ففي ذلك فارغبوا.