وإن اشتبه اللفظ فمعناه متباين مفترق عند أهل العلم ، إذ الله عزوجل رحيم بعباده ، ناظر لخلقه ، وفرعون لعين ملعون مضل غوي ، وهو عزوجل قد عذب فرعون على فعله وضلاله ، وقبح سوء فعله بنفسه وقومه ، وكيف يغوي خلقه ويضلهم ولا يرشدهم ، ثمّ يعذبهم على فعله؟ إذا لكان لهم ظالما ، وعليهم متعديا ، وهو مع ذلك يعيب على من فعل مثل هذا الفعل ، إذ يقول عزوجل : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [النساء : ١١٢] ، وبعث إليهم الرسول ، وأنزل عليهم الكتاب ، ثم قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) [البقرة : ٢٠٨] ، فأمرهم أن يدخلوا كلهم في الإسلام والإيمان. فلو كان كما يقول الجاهلون إنه هدى قوما وأضل قوما ولم يهدهم ؛ لم يكن لقوله : (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) معنى ، إذ كان عزوجل بزعمهم أدخل قوما في الإسلام ، وحال بين قوم وبين الدخول في الإسلام ، فما معنى قوله لقوم داخلين في الإسلام : ادخلوا ؛ وهم داخلون ، كما لا يقول لقائم : قم ؛ وكما لا يقول لجالس : اجلس. ويقول لقوم حال بينهم وبين الدخول في الإسلام ، كما لم يقل لمقعد : قم ؛ ولا لأعمى : أبصر.
وهو عزوجل قد فرض الجهاد على جميع الناس ، فقال : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) [التوبة : ٤١] ، ثم قال لمن أعمى بصره ولم يعطه من القوة ما أعطى غيره : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) [النور : ٦١ ، الفتح : ٧١] ، فعذره في تخلفه عن الجهاد ؛ إذ لم يقدره على ذلك.
وقال سبحانه : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦] ، فلو كان عزوجل فعل لهم ما يقول المبطلون ، لكان من عصى وكفر وظلم وقتل أنبياءه وأولياءه ، وقال عليه بالزور والبهتان معذورا عنده سبحانه ، ساعيا في قضائه وقدره ، ولم يكن يوجد على الأرض عاص ، إذ كان المطيع يسعى بقضاء الله وقدره ، وكان العاصي كذلك يسعى ببعض قضائه وقدره ؛ إذ يزعمون أنه خلق قوما للجنة وخلق قوما للنار ، كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا وخسروا خسرانا مبينا.
العبادة
قال يحيى بن الحسين ، صلوات الله عليه :