يفعله سبحانه فعله.
ثم نقول من بعد إثبات القدرة للرحمن ونفي التشبيه والتجوير عنه في كل ما شاء : إن الإرادة من الله على معنيين نيرين ـ عند من علمه الله وفهمه ـ بينين :
فإحداهما : إرادة حتم وجبر (٢٨٨) ، والأخرى : إرادة أمر ، معها (٢٨٩) تمكين وتفويض.
فأما إرادة الحتم فهي : ما أراد من خلق السماوات والأرض والجبال ، وما أنبت من الأشجار : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) [النحل : ٨] ، وما أراد سبحانه من قضاء الموت على خلقه من جميع أهل سماواته وأرضه ، والذهاب والفوت ، فقال سبحانه : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران : ١٨٥] ، وقال : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [الرحمن : ٢٦] ، فأخبر بما حكم به على خلقه ، وبما ألزمهم في ذلك وأوجبه عليهم من حتمه ، فقال : (قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الجاثية : ٢٦] ، وقال لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم إخبارا منه بما حتم عليه : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣٠].
ومن إرادة الحتم التي أراد الله فعلها ففعلها قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) [فصلت : ١١ ـ ١٢] ، فكان قضاؤه فيهن خلقه سبحانه لهن حين أراد إيجادهن وصورهن ، وأوحى ما شاء فيهن من أمرهن.
ومن ذلك ما يقول الواحد الجبار ذو الملكوت الغفار : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) [الزمر : ٤٢] ، فذكر أن الموت منه ، وأنه يقضي به ويبديه ، فكان هذا منه إرادة حتم ليس لأحد فيها منهم فعل.
__________________
(٢٨٨) سقطت من (ب).
(٢٨٩) في (ب) : يتبعها.