دعى إلى دين محمد عليهالسلام. يتبلغ الجبارون المتكبرون بأتباعهم المتحيرين ، وينالون بهم معصية رب العالمين.
فلما أن علمنا أن هذه حالهم ، ووقفنا على أنها سبيلهم ، لم نستجز بعد ملكهم والقهر لهم ، والعلو بعون الله على جبابرتهم ، أن نقيم الحدود فيهم مع ما قد علمنا من جهلهم ، حتى نبين لهم ما ندعوهم إليه ، وما نوقفهم عليه ، ثم نمضي الحدود بعد الإنذار والإعذار ، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ).
تسبيح الأشياء وسجودها لله تعالى
وسألت أكرمك الله : عن قول الله سبحانه : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء : ٤٤]؟
واعلم أن معنى هذا وأحسن ما يؤول في فهمنا ، أن الله تبارك وتعالى أراد بذلك أنه ليس من شيء إلا وفيه من أثر صنعه وتدبيره وتقديره ما يدل على جاعله ومصوره ، ويوجب له سبحانه على من عرف أثر صنعه فيه التسبيح والتهليل ، والإقرار بالوحدانية والتبجيل ، عند تفكر المتفكر ، واعتبار المعتبر ، بما يرى من عجائب فعله جل جلاله ، فيما خلق من عروق الأشجار الضاربة في الثرى ، وفروعها الباسقة في الهواء ، وما يكون منها من ثمار مختلفة شتى. فإذا نظر إلى أثر تدبير الجبار فيها ، أيقن بالصنع ، وإذا أيقن بالصنع أيقن بالصانع ، فإذا استدل على الصانع ثبتت معرفته في قلبه ، ورسخت وحدانيته في صدره ، فإذا ثبتت المعرفة في قلب المعتبر ، وصحت في جوارح الناظر ، نطق لسانه بالتسبيح لجاعل الأشياء ، وظهرت منه العبادة لصانعها.
فهذا معنى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) ، لمّا كان في الأشياء كلها الدليل على جاعلها ، وفي الدليل على جاعلها ما يوجب الإقرار به ، وفي الإقرار به ما يوجب ذكره بما هو أهله من التقديس والتبجيل ، والتسبيح والمعرفة والإقرار بقدرته جاز أن يقال : يسبح ؛ إذ كان بسببه التسبيح من المسبّح المستدلّ على ربه ، بما بين له في كل شيء من أثر صنعه ، فقال : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) ، وهو يعني بالتسبيح