معنى النفخ في الصور
وسألت عن الصور ، فقلت : ما هو؟ وكيف هو؟ وعلى أي وصف هو؟
واعلم رحمك الله أنه ليس ثمّ صور ينفخ فيه كما يقول الجاهلون ، ويلفظ به العمون ، وإنما الصور الذي ذكر الرحمن ، فيما نزل من واضح النور والبرهان ، هو جمع (الصور) ، و (الصور) جمع (الصورة) ، فالعرب تقول (صورة) و (صورتان) و (صور) ، ثم تجمع (الصور) ، فيكون جمعها (صور) ؛ هذا معنى (الصور). ونفخ الله فيها في النفخة الأولى ، فهو إفناؤها ، وهو نفخه فيها وهي الأبدان والصور ـ صور المخلوقين وأبدان العالمين ـ لما أراد من هلاكها وفنائها ودمارها ؛ فواقعها وحل بها من الله سبحانه ما أزالها ، وحق بها (٥٦٣) منه ما أبادها ، وواقعها منه ما أتلفها (٥٦٤) فصارت بنفخ الله فيها ، وما وعدها من الموت والفناء إلى الزوال والانقضاء ؛ فهذا معنى ما ذكر الله من النفخة الأولى في الصور المصورة ، والأجسام المفتطرة.
ومعنى النفخة الأخرى فهي نفخة الله الثانية في الصور والأبدان المتمزقة البالية ، لما أراد من حياتها ونشرها ، وتجديدها وبعثها من بعد موتها ، فكان نفخه بالحياة فيها نفخة ثانية أخرى من بعد النفخة المهلكة الأولى. فكانت النفخة الأولى للهلكة والوفاة ، وكانت النفخة الأخرى للنشور والحياة ، قال الله تبارك وتعالى : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) [الزمر : ٦٨]. فأخبر سبحانه أن النفخ على المعنيين ، وأن له حالين مختلفين ، إذ كان حال الأولى ما أوجبه الله من حال الهلاك والانقضاء ، وحال النفخة الأخرى ما جعل الله فيها وبها في حال الحياة بعد الفناء. فافهم ما قلنا ، واعرف من ذلك ما شرحنا ، من شرح النفخ
__________________
(٥٦٣) في جميع النسخ (وحقها) ، وما أثبتناه من (ب).
(٥٦٤) في جميع النسخ (أتاها) ، وما أثبتناه من (ب).