مَضاجِعِهِمْ) ، فقال : إن الله كتب على الكافرين قتل المؤمنين ، وكتب على المؤمنين ظهور الكافرين ، وقتلهم إياهم ؛ فتوهم أن الكتاب من الله هو حتم ، وفعل فيهم وقضاء كائن قضى به عليهم. ولو كان ذلك كما ظن الحسن بن محمد لكان المشركون لله مطيعين ، ولأمره وقضائه منفذين ، ولم يكن عليهم في ذلك إثم ، ولا عند الله جرم ، بل كانوا في ذلك مثابين وعليه غير معاقبين ، ولم يكن المؤمنون بمثابين إذ الله فعل بهم ذلك من القتل وقضاه عليهم ، وكل في الطاعة له سواء ، تبارك عن ذلك العلي الأعلى.
فأما وجه الحق في ذلك ، ومعنى قول الله سبحانه : (كُتِبَ عَلَيْهِمُ) ، هو علم منهم لا أنه أكرههم ولا قضى عليهم ، ولكن علم من يختار الخروج ولقاء الأعداء ، ومن يقتل عند التنازل واللقاء ، فعلمه وقع على اختيارهم ، فخروجهم فعلهم لا فعله ، وقتلهم فعل الكفار لا قضاؤه ، فهم على خروجهم وقتالهم واجتهادهم مأجورون ، وعند الله مستشهدون ، والفسقة المشركون على قتلهم معاقبون ، وعند الله في الآخرة معذبون ، فكل نال بفعله من الله ما أوجبه عليه من الثواب والعقاب ، والحمد لله رب الأرباب ، والمجازي للخلق يوم الحساب.
وأما ما سأل عنه من قول الله سبحانه : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) ، فقال بزعمه ، وتوهم بجهله : أن الله يديل أهل الكفر والعصيان على أهل الطاعة والإيمان ، وأنه أدال يوم أحد المشركين على النبي ومن كان معه من المؤمنين ؛ فليس ذلك كما ذهب إليه ، وسنشرح ذلك إن شاء الله تعالى ، ونرد بالحق قوله عليه.
فنقول : إن الله جل جلاله يديل المؤمنين على الكافرين ، ولا يديل الكافرين على المهتدين ، كذلك قال في يوم حنين : (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) [الإسراء : ٦] ، فكان برده الكرة للموحدين هو المديل لهم على الكافرين ، ولم يقل في شيء من كتابه وما نزله من آياته إنه أدال أهل الشرك والنفاق على أهل الدين والإحقاق.
فأما ما ذكر الله من المداولة بالأيام بين جميع الأنام ، فإن مداولته للأيام هو إتيانه بالليل تارة وتارة بالنهار ، وأما ما يأتي ويداول بين عباده وأرضه فيهما من الأمطار التي يحيي بها الأرضين ويعيش بها جميع العالمين ، قال سبحانه : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً