اكتسب ، وكل حكم حق به حكم فمن حكم حقهم علم ، فهم أمناء الله على حقه ، والوسيلة بينه وبين خلقه ، المبلغون للرسالات ، الآتون من الله سبحانه بالدلالات ، المثبتون على الأمة حججه البالغة ، المسبغون بذلك على الأمة للنعم السابغة ، لا يجهل فضلهم إلا جهول معاند ، ولا ينكر حقهم إلا معطل جاحد ، ولا ينازعهم معرفة ما به أتوا عن الله إلا ظلوم ، ولا يكابرهم فيما أدوه إلى الأمة عن الله إلا غشوم ؛ لأنهم أهل الرسالة المبلغة ، والآتون من الله سبحانه بالحجة البالغة ، الذين افترض الله على الأمة تصديقهم ، وأمروا باتباعهم ، ونهوا عن مخالفتهم ، وحضوا على الاقتباس من علمهم.
ألا تسمع كيف يقول الرحمن ، فيما نزل من النور والبرهان ، حين يقول : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل : ٤٣] ، فأمرت الأمة بسؤالهم عند جهلها ، والاقتباس منهم لمفروض علمها. ثم قال سبحانه : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء : ٨٣] ، فأخبر سبحانه أنهم لو ردوا ما يجهلون علمه ، ولا ينالون فهمه إلى الله بالتسليم له في حكمه ، وإلى الرسول في معلوم علمه ، وإلى الأئمة من عترته ، فيما التبس من ملتبسه ، واشتبه على الأمة من متشابهه ، لوجدوه عند الله في كتابه مثبتا ، وفي سنة رسول الله التي جاء بها من الله مبينا ، وعند الأئمة من عترته صلى الله عليه وعلى آله وسلم نيرا بينا.
ثم أخبر سبحانه أنه لو لا فضل الله على الخلق بإظهار من أظهر لهم من خيرته ، وتولية من ولي عليهم من صفوته ، إذا لا تبعوا الشيطان في إغوائه ، ولشاركوه في غيّه وضلاله ، فامتن عليهم سبحانه بأئمة هادين مهتدين ، غير ضالين ولا مضلين ، صفوة الله من العالمين ، وخيرته من المخلوقين ، نور الأمة ، وسراج الظلم المدلهمة ، ورعاء البرية ، وضياء الحكمة ، ومعدن العصمة ، وموضع الحكمة ، وثبات الحجة ، ومختلف الملائكة ، اختارهم الله على علمه ، وقدمهم على جميع خلقه ، علما منه بفضلهم ، وتقديسا لهم على غيرهم ، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [فاطر : ٣٢] ، فأخبر بما ذكرنا من اصطفائهم على الخلق ، ثم ميّزهم فذكر منهم الظالم لنفسه باتباعه لهوى قلبه ، وميله إلى لذته ؛ وذكر منهم المقتصد في علمه ، المؤدي إلى الله لفرضه ، المقيم